للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«خلق الله عزّ وجلّ التربة يومَ السبت، وخلق الجبال فيها يومَ الأحد، وخلق الشجر يومَ الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النُّور يوم الأربعاء، وبثَّ فيها الدواب يومَ الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» ، وهذا اختيار محمد بن إسحاق. وقال ابن الانباري: وهذا إجماع أهل العلم.

والثاني: يوم الأحد، قاله عبد الله بن سلام، وكعب، والضحاك، ومجاهد، واختاره ابن جرير الطبري، وبه يقول أهل التوراة.

والثالث: يوم الاثنين، قاله ابن إسحاق، وبهذا يقول أهل الإنجيل.

ومعنى قوله: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي: في مقدار ذلك، لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها، ولم تكن الشمس حينئذ. قال ابن عباس: مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة، وبه قال كعب، ومجاهد، والضحاك، ولا نعلم خلافاً في ذلك. ولو قال قائل: إنها كأيام الدنيا، كان قوله بعيداً من وجهين: أحدهما: خلاف الآثار. والثاني: أن الذي يتوهمه المتوهِّم من الإِبطاء في ستة آلاف سنة، يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «١» . فان قيل:

فهلاَّ خلقها في لحظة، فانه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، ذكره ابن الانباري. والثاني: أن التثبُّت في تمهيد ما خُلق لآدم وذرّيّته قبل


الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار، ليس مرفوعا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» ١٧/ ٢٣٦: وأما الحديث الذي رواه مسلم في قوله: «خلق الله التربة يوم السبت» فهو حديث معلول قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، وقال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب الأحبار، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضا وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم وهو مما أنكر الحذاق على مسلم إخراجه إياه وقال أيضا فيما نقله عنه القاسمي في «الفضل المبين» ص ٤٣٢- ٤٣٤: هذا الحديث طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار وطائفة اعتبرت صحته مثل أبي بكر بن الأنباري، وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهما، والبيهقي وغيره وافقوا الذين ضعفوه، وهذا هو الصواب، لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد وهكذا عند أهل الكتاب، وعلى ذلك تدل أسماء الأيام وهذا المنقول الثابت في أحاديث وآثار أخر، ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة، لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهي خلاف ما أخبر به القرآن، مع أن حذّاق علم الحديث يثبتون علة هذا الحديث في غير هذه الجهة، وأن راويه فلان غلط فيه لأمور يذكرونها، وهذا الذي يسمى معرفة علل الحديث، يكون الحديث إسناده في الظاهر جيدا، ولكن عرف من طريق آخر أن راويه غلط فرفعه وهو موقوف، أو أسنده وهو مرسل، أو دخل عليه الحديث في حديث، وهذا فن شريف وكان يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم صاحبه على ابن المديني، ثم البخاري أعلم الناس به، وكذلك الإمام أحمد، وأبو حاتم، وكذلك النسائي والدارقطني وغيرهم، وفيه مصنفات معروفة. وقال المناوي في «فيض القدير» ٣/ ٤٤٨: قال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة فمن ذلك: أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام وهذا خلاف القرآن، لأن الأرض خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السماوات في يومين. اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>