للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرف على أصله، لأن كناية المتكلمين «نا» فاجتمعت ثلاث نونات، نونا «إِن» والنون المضمومة إلى الألف ومن قال: «إنا» اسثقل الجمع بين ثلاث نونات، فأسقط الثالثة، وأبقى الأولتين وكذلك يقال:

إنّ وإٍنني، ولعلّي ولعلني، وليتي وليتني، قال الله تعالى في اللغة العليا: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ «١» ، وقال الشاعر في اللغة الأخرى:

أريني جواداً مات هَزْلاً لعلَّني ... أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مخلَّدا «٢»

وقال الله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ «٣» ، وقال الشاعر:

كمُنيةِ جابرٍ إِذ قال ليتي ... أصادقه وأُتلفُ بعضَ مالي «٤»

فأما المريب، فهو الموقع للرّيبة والتّهمة. والرّحمة يراد بها ها هنا: النبوَّة.

قوله تعالى: فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ التخسير: النقصان. وفي معني الكلام قولان: أحدهما: فما تزيدونني غيرَ بَصَارَةٍ في خسارتكم، قاله ابن عباس. وقال الفراء: المعنى: فما تزيدونني غير تخسيرٍ لكم، أي: كلما اعتذرتم عندي بعذر فهو يزيدكم تخسيراً. وقال ابن الأعرابي: غير تخسير لكم، لا لي. وقال بعضهم: المعنى: فما تزيدونني بما قلتم إِلا نسبتي لكم إِلى الخسارة. والقول الثاني: فما تزيدونني غير الخسران إِن رجعتُ إِلى دينكم، وهذا معنى قول مقاتل. فان قيل: فظاهر هذا أنه كان خاسراً، فزادوه خساراً، فقد أسلفنا الجواب في قوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا «٥» .

قوله تعالى: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً قد شرحناها في سورة الأعراف «٦» .

قوله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ أي: استمتعوا بحياتكم، وعبَّر عن الحياة بالتمتع، لأن الحيَّ يكون متمتِّعاً بالحواسِّ.

قوله تعالى: ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قال المفسرون: لمَّا عُقرت الناقة صَعِدَ فصيلُها إِلى الجبل، ورغا ثلاث مرات، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم، ألا إِن اليوم الأول تصبح وجوهُكم مُصْفَرَّةً، واليوم الثاني مُحْمَرَّةً، واليوم الثالث مُسْوَدَّةً فلما أصبحوا في اليوم الأول، إِذا وجوههم مصفرة، فصاحوا وضجوا، وبَكَوْا، وعَرَفوا أنَّه العذاب، فلما أصبحوا في اليوم الثاني، إِذا وجوههم محمرة، فضجوا، وبكَوا، فلما أصبحوا في اليوم الثالث، إِذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فصاحوا جميعاً: ألا قد حضركم العذاب فتكفَّنوا وألقَوْا أنفسهم بالأرض، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب، فلما أصبحوا في اليوم الرابع، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كلِّ صاعقة، فتقطَّعتْ قلوبُهم في صدورهم. وقال مقاتل:

حفروا لأنفسهم قبوراً، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضاً، إِذ نزل جبريل فقام فوق المدينة فسدّ ضوءَ الشمس فلما عاينوه


(١) غافر: ٣٦.
(٢) ذكره ابن منظور في «اللسان» ، مادة «أنن» ، وقال: هو لحطائط بن يعفر، ويقال: هو لدريد وقال الجوهري:
أنشد أبو زيد لحاتم قال: وهو الصحيح، قال: وقد وجدته في شعر معن بن أوس المزني.
(٣) سورة النساء: ٧٣.
(٤) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «ليت» ونسبه لزيد الخيل.
(٥) سورة التوبة: ٤٧.
(٦) عند الآية: ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>