للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخلوا قبورهم فصاح بهم صيحة: موتوا عليكم لعنة الله، فخرجت أرواحهم وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.

قوله تعالى: ذلِكَ وَعْدٌ أي: العذاب غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي: غير كذب.

قوله تعالى: وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر «يومِئِذٍ» بكسر الميم. وقرأ الكسائي بفتحها مع الإِضافة. قال مكي: من كسر الميم، أعرب وخفض، لإِضافة الخزي إِلى اليوم، ولم يَبْنِهِ ومن فتح، بنى اليوم على الفتح، لإِضافته إِلى غير متمكّن، وهو «إِذ» . وقرأ ابن مسعود «ومن خزيٍ» بالتنوين، «يومَئذ» بفتح الميم. قال ابن الأنباري: هذه الواو في قوله «ومن خزي» معطوفة على محذوف، تقديره: نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ. قال: ويجوز أن تكون دخلت لفعل مضمر، تأويله: نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا، ونجيناهم من خِزْي يومئذ. قال: وإِنما قال: «وأخذَ» لأن الصيحة محمولة على الصياح.

قوله تعالى: أَلا بُعْداً لِثَمُودَ اختلفوا في صرف «ثمود» وترك إِجرائه في خمسة مواضع: في (هود:) أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ، وفي (الفرقان) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ «١» ، وفي (العنكبوت) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ «٢» ، وفي (النجم) وَثَمُودَ فَما أَبْقى «٣» . قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع منها، وتركوا أَلا بُعْداً لِثَمُودَ فلم يصرفوه. وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف، وصرفهنَّ الكسائي. واختلف عن عاصم، فروى حسين الجعفي عن أبي بكر عنه أنه أجرى الأربعة الأحرف مثل أبي عمرو وروى يحيى بن آدم أنه أجرى ثلاثة، في (هود) أَلا إِنَّ ثَمُودَ، وفي (الفرقان) و (العنكبوت) . وروى حفص عنه أنه لم يجر شيئاً منها مثل حمزة.

واعلم أن ثموداً يراد به القبيلة تارة ويراد به الحي تارة. فإذا أريد به القبيلة لم يصرف، وإِذا أريد به الحي صرف. وما أخللنا به فقد سبق تفسيره إِلى قوله: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ. والرسل ها هنا:

الملائكة. وفي عددهم ستة أقوال: أحدها: أنهم كانوا ثلاثة، جبريل، وميكائيل، وإِسرافيل، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقال مقاتل: جبريل، وميكائيل، وملك الموت. والثاني: أنهم كانوا اثني عشر، روي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: ثمانية، قاله محمد بن كعب. والرابع: تسعة، قاله الضحاك. والخامس: أحد عشر، قاله السدي. والسادس: أربعة، حكاه الماوردي. وفي هذه البشرى أربعة أقوال «٤» : أحدها: أنها البشرى بالولد، قاله الحسن، ومقاتل. والثاني: بهلاك قوم لوط، قاله


(١) سورة الفرقان: ٣٨.
(٢) سورة العنكبوت: ٣٨. [.....]
(٣) سورة النجم: ٥١.
(٤) قال ابن كثير رحمه الله ٢/ ٥٥٧: البشرى أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل، فإنه يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
ومن ها هنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا، والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل. وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>