مؤمن يتحقّق منه اليأس من روح الله، فهو كافر في الحال، حتى يعود إلى الإسلام، بعوده إلى رجاء روح الله وأمّا الرجل المغفور له في الحديث، فلا نسلّم أنه لم يكفر، ثم إن الله تعالى لمّا أحياه في الدنيا، عاد إلى الإسلام، بعوده إلى رجاء روح الله تعالى، فلذلك غفر له، وقد يكون قد عاد إلى رجاء روح الله تعالى، قبل موتته الأولى، ولم يتسع له الزمان أن يرجع عن وصيته التي أوصى بها أهله، فمات مسلما فلذلك غفر له.
فإن قيل: في قوله تعالى وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً [الآية ١٠٠] كيف جاز لهم أن يسجدوا لغير الله تعالى؟
قلنا: لعله كان السجود عندهم تحية وتكرمة كالقيام والمصافحة عندنا.
وقيل: كان انحناء كالركوع، ولم يكن بوضع الجبهة على الأرض، إلا أن قوله تعالى وَخَرُّوا يأبى ذلك، لأنّ الخرور عبارة عن السقوط، ولا يرد عليه قوله تعالى وَخَرَّ راكِعاً [ص/ ٢٤] لأنهم قالوا أراد به ساجدا، فعبّر عن السجود بالركوع، كما عبر عن الصلاة في قوله تعالى وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)[البقرة] أي صلّوا مع المصلين. وقيل له: أي لأجله، فاللام للسببية لا لتعدية السجود إلى يوسف عليه السلام، فالمعنى وخرّوا لأجل يوسف سجّدا لله تعالى، شكرا على جمع شملهم به، وقيل الضمير في له، يعود إلى الله تعالى، وهذا الوجه يدفعه قوله تعالى يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا [الآية ١٠٠] .
فإن قيل: لم ذكر يوسف عليه السلام نعمة الله تعالى في إخراجه من السجن، فقال كما ورد في التنزيل وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [الآية ١٠٠] ولم يذكر نعمته عليه في إخراجه من الجبّ وهو أعظم نعمة، لأن وقوعه في الجبّ كان أعظم خطرا؟
قلنا: إنما ذكر هذه النعمة دون تلك النعمة، لوجوه: أحدها: أنّ محنة السجن ومصيبته، كانت أعظم لطول مدتها، فإنه لبث فيه بضع سنين، وما لبث في الجبّ إلّا مدّة يسيرة. الثاني:
أنه إنما لم يذكر الجب، كي لا يكون في ذكره توبيخ وتقريع لإخوته، عند قوله لهم كما ورد في التنزيل لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [الآية ٩٢] .