كان مقدمة لملكه وعزه، فذلك ذكره، وخروجه من الجبّ، كان مقدمة الذل والرق والأسر، فلذلك لم يذكره.
الرابع: أن مصيبة السجن، كانت أعظم عنده، لمصاحبة الأوباش والأراذل وأعداء الدين بخلاف مصيبة الجب، فإنه كان مؤنسه فيه جبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام.
فإن قيل: لم قال تعالى على لسان يوسف تَوَفَّنِي مُسْلِماً [الآية ١٠١] وهو يعلم أنّ كلّ نبيّ لا يموت إلّا مسلما؟
قلنا: يجوز أن يكون دعا بذلك، في حالة غلبة الخوف عليه، غلبة أذهلته عن ذلك العلم، في تلك الساعة.
الثاني: أنه دعا بذلك، مع علمه، إظهارا للعبودية والافتقار وشدة الرغبة، في طلب سعادة الخاتمة، وتعليما للأمّة، وطلبا للثواب.
فإن قلنا: كيف يجتمع الإيمان والشرك، وهما ضدّان، حتى قال تعالى وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) ؟
قلنا: معناه وما يؤمن أكثرهم، بأن الله تعالى خالقه ورازقه وخالق السماوات والأرض، قولا إلّا وهو مشرك بعبادة الأصنام فعلا. الثاني، أن المراد بها المنافقون، يؤمنون بألسنتهم قولا، ويشركون بقلوبهم اعتقادا.
الثالث أن المراد بها تلبية العرب، كانوا يقولون: لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكا هو لك، تملكه وما ملك فكانوا يؤمنون بأوّل تلبيتهم بنفي الشريك، ويشركون بآخرها بإثباته.
فإن قيل: هذه التلبية، توحيد كلها ولا شرك فيها، لأن معنى قولهم إلّا شريكا هو لك: إلا شريكا هو مملوك لك، موصوفا بأنك تملكه، وتملك ما ملك، واللام هنا للملك، لا لعلاقة الشركة وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون حقيقيّا، ويحتمل أن يكون مجازيّا بيان الأول، أنّا إن قلنا إن اللام حقيقة في المعنى العام في مواردها، وهو الاختصاص، يكون قولهم: لا شريك لك، عامّا في نفي كلّ شريك، يضاف إلى الله تعالى بجهة اختصاص ما، فيدخل في النفي من جهة لفظ الشريك المضاف بجهة المملوكية، وهو شريك زيد وعمرو ونحوهما، ثم يقع عليه الاستثناء، فيكون استثناء حقيقيا وإن قلنا إنها مشتركة بين المعاني الثلاثة الموجودة