أولي العلم، ونظير هذا قوله تعالى في الأصنام أيضا: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها [الأعراف: ١٩٥] ، فأجرى عليهم ضمير أولي العلم والعقل لما قلناه ويرد على هذا الجواب أن يقال: إذا كان معتقدهم خطأ وباطلا، فالحكمة تقتضي أن ينزعوا عنه ويقلعوا، لا أن يبقوا عليه ويقرّوا في خطابهم على معتقدهم إيهاما لهم أنّ معتقدهم حقّ وصواب، وجوابه: أن الغرض من الخطاب الإفهام، ولو خاطبهم على خلاف معتقدهم ومفهومهم فقال: أفمن يخلق كما لا يخلق، لاعتقدوا أنّ المراد من الثاني غير الأصنام من الجماد. الثاني: قال ابن الأنباري: إنما جاز ذلك، لأنّها ذكرت مع العالم، فغلب عليها حكمه في اقتضاء «من» ، كما في قول العرب: اشتبه عليّ الراكب، وجمله: فما أدري من ذا، ومن ذا.
فإن قيل: هذا إلزام للذين عبدوا الأصنام، وسمّوها آلهة تشبيها بالله، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق، فظاهر الإلزام يقتضي أن يقال لهم:
أفمن لا يخلق كمن يخلق؟
قلنا: لما سوّوا بين الأصنام وخالقها سبحانه وتعالى، في تسميتها باسمه، وعبادتها كعبادته، فقد سوّوا بينها وبين خالقها قطعا، فصحّ الإنكار بتقديم أيهما كان وإنما قدم في الإنكار عليهم ذكر الخالق، إمّا لأنه أشرف، أو لأنه هو المقصود الأصلي من هذا الكلام، تنزيها له وإجلالا وتعظيما.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى في وصف الأصنام غَيْرُ أَحْياءٍ [الآية ٢١] بعد قوله تعالى: أَمُوتُ؟
قلنا: الحكمة فيه، إفادته أنها أموات لا يعقب موتها حياة، احترازا عن أموات يعقب موتها حياة. كالنطف والبيض والأجساد الميتة، وذلك أبلغ في موتها، كأنّ الكلام: أموات في الحال غير أحياء في المال. الثاني: أنه ليس وصفا لها بل لعبّادها، معناه:
وعبّادها غير أحياء القلوب. الثالث:
أنه إنما قال غَيْرُ أَحْياءٍ ليعلم أنه أراد أمواتا في الحال، لا أنها ستموت كما في قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)[الزّمر] .
فإن قيل: لم عاب الأصنام وعبّادها بأنهم لا يعلمون وقت البعث، فقال تعالى: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ