[النساء: ١٣٤] كما قال تعالى: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ [آل عمران: ١٤٨] .
فإن قيل: لم قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) وكثير من الصحابة وغيرهم، كانوا كافرين فهداهم الله تعالى الى الإيمان؟
قلنا: المراد من هذا، الكافرون، الذين علم الله تعالى أنهم يموتون على الكفر ويؤيده ما بعد ذلك من الآيتين.
فإن قيل: ما معنى إضافة النفس الى النفس في قوله تعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها [الآية ١١١] والنفس ليس لها نفس أخرى؟
قلنا: النفس اسم للروح وللجوهر القائم بذاته، المتعلّق بالجسم تعلّق التدبير. وقيل هي اسم لجملة الإنسان، لقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران: ١٨٥] وقوله تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:
٤٥] . والنفس أيضا اسم لعين الشيء وذاته، كما يقال نفس الذهب والفضة محبوبة: أي عينهما وذاتهما، فالمراد بالنفس الأولى الإنسان، وبالثانية ذاته، فكأنه يوم يأتي كل إنسان يجادل عن نفسه: أي ذاته لا يهمّه شأن غيره، كلّ يقول نفسي نفسي، فاختلف معنى النفسين.
فإن قيل: لم قال تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [الآية ١١٢] والإذاقة لا تناسب اللباس، وإنّما تناسبه الكسوة؟
قلنا: الإذاقة تناسب المستعار له وهو الجوع، من حيث أنّ الجوع يقتضي الأكل فيقتضي الذوق وإن كانت لا تناسب المستعار وهو اللباس والكسوة تناسب المستعار وهو اللباس، ولا تناسب المستعار له وهو الجوع وكلاهما من دقائق علم البيان، يسمى الأول تجريد الاستعارة، والثاني ترشيح الاستعارة فجاء القرآن العزيز في هذه الآية بتجريد الاستعارة، وقد ذكرنا تمام هذا في كتابنا «روضة الفصاحة» ، ولباس الجوع والخوف، استعارة لما يظهر على أهل القرية من أثر الجوع والخوف، من الصفرة والنحول كقوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى [الأعراف: ٢٦] استعير اللباس لما يظهر على المتقي من أثر التقوى. وقيل إن فيه إضمارا تقديره: فأذاقها الله طعم الجوع وكساها لباس الخوف.