للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحشر] ، والاعتبار النظر والاستدلال.

فهذه أربعة طرق لا يخرج شيء من أحكام الشريعة عنها، وكلّها مذكورة في القرآن، فصحّ كونه تبيانا لكل شيء.

فإن قيل: لم وحّدت القدم، ونكّرت، في قوله تعالى فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها [الآية ٩٤] ولم يقل القدم أو الأقدام، وهو أشدّ مناسبة لجمع الأيمان؟

قلنا: وحّدت ونكّرت في قوله تعالى، لاستعظام أن تزلّ قدم واحدة على طريق الجنة، فكيف بأقدام كثيرة؟

فإن قيل: «من» تتناول الذكر والأنثى لغة، ويؤيده قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ [الأنعام: ١٦٠] وقوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: ٩٧] وقوله تعالى:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) [الزلزلة] وقوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥] ونظائره كثيرة، فلم قال تعالى هنا:

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [الآية ٩٧] ؟

قلنا: إنما صرح بذكر النوعين هنا، لسبب اقتضى ذلك وهو أن النساء قلن: «ذكر الله تعالى الرجال في القرآن بخير، ولم يذكر النساء بخير، فلو كان فينا خير لذكرنا به» . فأنزل الله تعالى:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الأحزاب: ٣٥] الآية، وأنزل مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [الآية ٩٧] فذهب عن النساء وهم تخصيصهنّ عن العموميّات.

فإن قيل: لم قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [الآية ٩٧] وقد رأينا كثيرا من الصلحاء والأتقياء، قطعوا أعمارهم في المصائب والمحن وأنواع البلايا باعتبار الأمثل، فالأمثل، إلى الأنبياء؟

قلنا: المراد بالحياة الطيّبة الحياة في القناعة. وقيل في الرزق الحلال. وقيل في رزق يوم بيوم. وقيل التوفيق للطاعات. وقيل في حلاوة الطاعات.

وقيل في الرضا بالقضاء. وقيل المراد به الحياة في القبر، كما قال تعالى:

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) [آل عمران] وقيل المراد به الحياة في الدار الاخرة، وهي الحياة الحقيقية، لأنها حياة لا موت بعدها، دائمة في النعيم المقيم، والظاهر أنّ المراد به الحياة في الدنيا، لقوله تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ [الآية ٩٧] فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ