الغضب، فكان هذا القول على وجه الاعتراف منهم بالذنب، لا على وجه إعلام من لا يعلم. الثاني: أنهم لمّا عاينوا عظيم غضب الله تعالى، وعقوبته قالوا كما ورد في التنزيل: رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا رجاء أن يلزم الله الأصنام ذنوبهم، لأنهم كانوا يعتقدون لها العقل والتمييز، فيخفّ عنهم العذاب.
فإن قيل: لم قالت الأصنام للمشركين كما ورد في التنزيل: إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) ، وكانوا صادقين في ما قالوا؟
قلنا: إنما قالت لهم ذلك لتظهر فضيحتهم، وذلك أنّ الأصنام كانت جمادا لا تعرف من يعبدها، فلم تعلم أنهم عبدوها في الدنيا، فظهرت فضيحتهم حيث عبدوا من لا يعلم بعبادتهم، ونظير هذا قوله تعالى:
فإن قيل: قوله تعالى وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [الآية ٨٩] ، فإذا كان القرآن تبيانا لكل شيء من أمور الدين، فمن أين وقع بين الأئمّة في أحكام الشريعة هذا الخلاف الطويل العريض؟
قلنا: إنّما وقع الخلاف بين الأئمّة، لأن كل شيء يحتاج إليه من أمور الدين ليس مبيّنا في القرآن نصّا، بل بعضه مبيّن وبعضه مستنبط بيانه منه بالنظر والاستدلال وطريق النظر والاستدلال مختلفة، فلذلك وقع الخلاف.
فإن قيل: كثير من أحكام الشريعة لم تعلم من القرآن نصّا ولا استنباطا كعدد ركعات الصلاة، ومقادير باقي الأعضاء، ومدّة السفر والمسح والحيض، ومقدار حدّ الشرب، ونصاب السرقة، وما أشبه ذلك ممّا يطول ذكره.
قلنا: القرآن تبيان لكل شيء من أمور الدين، لأنه نصّ على بعضها، وأحال على السّنّة في بعضها، في قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧] وقوله تعالى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) وأحال على الإجماع ايضا بقوله تعالى: