للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على خلاف آية الليل إذ جعلناها مشرجة «١» الغلاف، بهيمة الأطراف.

والوجه الاخر أن يكون معنى مبصرة، أي يبصر الناس فيها، ويهتدون بها كما تقدم قولنا في قولهم، نهار صائم، وليل نائم أي أهل هذا صيام، وأهل هذا نيام. وكما يقولون:

رجل مخبث: إذا كان أهله وولده خبثاء. ورجل مضعف: إذا كانت دوابه وظهوره ضعفاء. فعلى هذا يسمى النهار مبصرا، إذا كان أهله بصراء.

وقد مضى الكلام على مثل ذلك فيما تقدّم.

وقوله سبحانه: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الآية ١٣] وهذه استعارة. والمراد بالطائر هاهنا، والله أعلم، ما يعمله الإنسان من خير وشرّ، ونفع وضرّ. وذلك مأخوذ من زجر الطير على مذاهب العرب. لأنهم يتبرّكون بالطائر المتعرّض من ذات اليمين، ويتشاءمون بالطائر المتعرّض من ذات الشمال.

ومعنى ذلك أنه سبحانه يجعل عمل الإنسان من الخير والشر، كالطوق في عنقه، بإلزامه إيّاه، والحكم عليه به.

وقال بعضهم: معنى ذلك أنّا جعلنا لكل إنسان دليلا من نفسه على ما بيّناه له، وهديناه إليه. والعرب تقيم العنق والرقبة، مقام الإنسان نفسه. فيقولون لي في رقبة فلان دم، ولي في رقبته دين. أي عنده. وفلان أعتق رقبة، إذا أعتق عبدا أو أمة. ويقول الداعي في دعائه، اللهم أعتق رقبتي من النار وليس يريد العنق المخصوصة، وإنّما يريد الذات والجملة.

وجعل سبحانه الطائر مكان الدليل الذي يستدل به، على استحقاق الثواب والعقاب، على عادة العرب التي ذكرناها في التبرّك بالسانح، والتشاؤم بالبارح.

وقوله سبحانه: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الآية ٢٤] وهذه استعارة عجيبة، وعبارة شريفة. والمراد بذلك الإخبات «٢» للوالدين، وإلانة القول لهما، والرفق واللطف بهما.

وخفض الجناح في كلامهم عبارة


(١) . أشرج الشيء: ضمّ بعضه إلى بعض وأحكم شده.
(٢) . أي الخضوع.