للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالباطل، ليدحضوا به الحق، ولا يريدون الإيمان إلّا بما يقترحونه من تلك الآيات وإنّما يتّخذون ما جاءهم من الآيات، وما أنذروا به منها لعبا وهزوا وليس أظلم ممّن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها، ونسي ما قدّمت يداه. ثم ذكر أن سبب إعراضهم، أنه جعل في قلوبهم أكنّة تمنعهم من فهمها، وأنه جعل في آذانهم وقرا يمنعهم من سماعها ثم ذكر أنه لو يؤاخذهم بذلك لعجّل لهم ما طلبوه من العذاب، ولكنّ عذابهم له موعد لن يجدوا من دونه موئلا: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) .

والرابع مثل موسى وبعض علماء عصره، فقد بلغ موسى من علوّ المنصب ما بلغ ولكنه تواضع لذلك العالم الذي آثره الله بعلم لم يعلمه موسى، وسافر إليه لطلب ذلك العلم، وكان أن ذكر لفتاه أنّه لا يبرح عن السّير حتّى يبلغ مجمع البحرين، فيجد عنده هذا العالم فلمّا بلغ ذلك المكان، نسي فتاه حوتا كان معهما، فانساب في البحر وكان هذا علامة مكان العالم الذي يطلبه، ولكن فتاه لم يخبره بذلك، حتّى جاوزا ذلك المكان، وطلب منه غداءهما، فأخبره بأنه نسي حوتهما إذ أويا إلى الصخرة فانساب في البحر، فذكر له أنّ هذا هو ما كان يطلبه فارتدّا إلى ذلك المكان، فوجدا عنده ذلك العالم، فطلب منه موسى أن يتبعه على أن يعلّمه ممّا آثره به ربّه، فأخبر موسى بأنه لن يستطيع الصبر على تعلّم ذلك العلم الذي لا يحيط به، وتخفى عليه أسراره فأخبره موسى بأنه سيجده صابرا على ذلك إن شاء الله تعالى، فطلب منه ألّا يسأله عن شيء حتى يحدّثه عنه ويعرّفه حقيقته.

فانطلقا، حتّى ركبا في سفينة، فعمد ذلك العالم إليها فخرقها، فأنكر موسى عليه أن يخرقها ليغرق أهلها، فذكّره بما أخبره به، من أنه لن يستطيع الصبر معه، فاعتذر له موسى بأنه نسي وطلب منه ألّا يؤاخذه على ذلك النسيان فانطلقا، حتّى وجدا غلاما، فعمد ذلك العالم إليه فقتله، فأنكر موسى عليه