والثاني: مثل الحياة الدنيا في حقارتها وقلّة بقائها، فهي كماء أنزله الله من السماء فاختلط به نبات والأرض، ولم يلبث أن جفّ وتكسّر وأصبح هشيما تذوره الرياح. وما يفتخر به أولئك المشركون على فقراء المؤمنين من المال والبنين، هو من زينة الحياة الدنيا، فهو سريع الزوال مثلها والأعمال الصالحة الباقية، خير منه ثوابا ثم ذكر لهم يوم يسيّر الجبال وتبرز الأرض ويحشرهم جميعا، وأنهم يعرضون عليه وليس معهم شيء من أموالهم وأولادهم ويوضع أمامهم كتاب أعمالهم، فيشفقون مما فيه:
وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) .
والثالث: مثل آدم وإبليس، لأنّ إبليس لعنه الله، إنما تكبّر على آدم، لأنه افتخر بأصله ونسبه، وكان من الجن ففسق عن أمر ربه وقد نهاهم عن الاقتداء به في ذلك، واتخاذه وذرّيّته أولياء من دونه، وهم لهم عدوّ، والعاقل لا يتّخذ عدوّه وليّا له، ومثلهم لا يصح أن يكون شريكا بالله، وهو لم يشهدهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم، وهم مضلّون لا يمكن أن يتّخذ الله له عضدا منهم. ثم ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة أمرهم أن ينادوا أولئك الشركاء الذين اتخذوهم أولياء، فيدعونهم فلا يستجيبون لهم، ولا ينفعونهم بشيء ممّا كانوا يزعمونه فيهم. ثم ذكر أنه جلّت قدرته، ضرب تلك الأمثال لهم ليعتبروا بها، ويرتدعوا عن افتخارهم بكثرة أتباعهم وأموالهم على فقراء المسلمين ولكنّ هذه الأمثال لا تؤثّر فيهم، بل يمضون فيما جبلوا عليه من الجدال والشغب، ويطلبون أن تأتيهم سنّة الأوّلين من عذاب الاستئصال، أو تتوالى عليهم ضروب العذاب وهم أحياء والله جل جلاله لم يرسل المرسلين إلا مبشّرين ومنذرين ليؤمن الناس طوعا لا كرها ولكنهم يجادلون