قلنا: كانت عادة ملوك الفرس والروم لبس الأساور والتيجان مخصوصين بها دون من عداهم، فلذلك وعدها الله تعالى المؤمنين لأنهم ملوك الاخرة.
فإن قيل: لم أفرد لفظ الجنة بعد التثنية، في قوله تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ [الآية ٣٥] ؟
قلنا: أفردها ليدل على الحصر، معناه: ودخل ما هو جنته، لا جنة له غيرها ولا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون، بل ما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد جنّة معينة منهما، بل جنس ما كان له.
فإن قيل: لم قال الأخ المؤمن لأخيه، كما ورد في التنزيل لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وهذا تعريض بأنّ أخاه مشرك، وليس في كلام أخيه ما يقتضي الشّرك، بل الكفر، وهو قوله، كما ورد في القرآن ذلك حكاية عنه وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الآية ٣٦] ؟
قلنا: إشراك أخيه الذي عرض له به، هو اعتقاده أنّ زكاة جنّته ونماءها بحوله وقوّته، ولهذا قال له، كما ورد في التنزيل: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الآية ٣٩] ولهذا قال هو أيضا لمّا أصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها، وهي خاوية على عروشها، كما ورد في القرآن:
يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) فاعترف بالشرك.
فإن قيل: ما الحكمة في إيراد «أنا» في قوله تعالى: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ [الآية ٣٩] ؟
قلنا:«أنا» في مثل هذا الموضع تفيد حصر الخبر في المخبر عنه، ومنه قوله تعالى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه: ١٢] وقوله جلّ جلاله إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ [طه: ١٤] ونظائره كثيرة.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الآية ٤٣] وكذلك ما أشبهه مما جاء في القرآن العزيز وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١)[مريم] ، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢)[العنكبوت] الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ [العنكبوت: ٤١] ، وكيف تحقيق معناه؟