قلنا:«دون» يستعمل في كلام العرب بمعنى «غير» كقولهم لفلان:
مال دون هذا، ومن دون هذا: أي غير هذا. ونظيره قوله تعالى وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ [المؤمنون: ٦٣] أي من غيره، وتستعمل أيضا بمعنى «قبل» كقولهم:
المدينة دون مكّة: أي قبلها، ومن دونه خرط القتاد. ولا أقوم من مجلسي دون أن تجيء، ولا أفارقك دون أن تعطيني حقي، وما أعلم أنها جاءت في القرآن العزيز بمعنى «قبل» بل بمعنى «غير» فقط؟
فإن قيل: لم قال تعالى هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [الآية ٤٤] يعني في يوم الاخرة أو في يوم القيامة، والولاية بكسر الواو السلطان والملك، وبفتح الواو التولّي والنصرة، وكل ذلك لله تعالى في الدنيا والاخرة يعزّ من يشاء ويخذل من يشاء، وينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، وبتولّى من يشاء بحراسته وحفظه، فما الحكمة في تخصيص يوم القيامة؟
قلنا: الحكمة فيه أن الدعاوى المجازية كثيرة في الدنيا ويوم القيامة تنقطع كلّها، ويسلم الملك لله تعالى عن كل منازع، وقد سبق نظير هذا السؤال في سورة الأنعام في قوله تعالى قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [الأنعام: ٧٣] .
فإن قيل: لم قال تعالى هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤) أي عاقبة، وغير الله تعالى لا يثيب ليكون الله خيرا منه ثوابا؟
قلنا: هذا على الفرض والتقدير، معناه: لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل، ولكانت طاعته أحمد عاقبة وخيرا من طاعة غيره.
فإن قيل: لم قال الله تعالى وَحَشَرْناهُمْ [الآية ٤٧] بلفظ الماضي وما قبله مضارعان، وهو قوله تعالى وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الآية ٤٧] أي لا شيء عليها يسترها كما كان في الدنيا؟
قلنا: للدلالة على أن حشرهم كان قبل التسيير، وقبل البروز، ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم كأنّ المعنى:
وحشرناهم قبل ذلك.
فإن قيل: لم قال تعالى مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الآية ٤٩] مع أنه أخبر أن الصغائر تكفّر باجتناب الكبائر، بقوله