تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ( [النساء:
٣١] .
قلنا: الآية الأولى في حق الكافرين، بدليل قوله تعالى: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ [الآية ٤٩] والمراد بهم هنا الكافرون، كذا قال مجاهد، وقال غيره: كل مجرم في القرآن. فالمراد به الكافر والآية الثانية، المراد بها المؤمنون لأن اجتناب الكبائر لا يكون متحقّقا مع وجود الكفر. الثاني: لو ثبت أن المراد بالمجرم مطلق المذنب، لم يلزم التناقض، لجواز أن تكتب الصغائر ليشاهدها العبد يوم القيامة، ثم تكفّر عنه، فيعلم قدر نعمة العفو، فإن أكثر ذنوب العبد ينساها، خصوصا الصغائر.
فإن قيل: قوله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ [الآية ٥٠] يدلّ على أنه من الجن، وقوله تعالى في موضع آخر وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [الآية ٥٠] يدلّ على أنه من الملائكة، فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: فيه قولان: أحدهما أنه من الجنّ حقيقة، عملا بظاهر هذه الآية، ولأن له ذرية قال تعالى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي [الآية ٥٠] والملائكة لا ذرّيّة لهم، ولأنه أكفر الكفرة وأفسق الفسقة، والملائكة معصومون عن الكبائر لأنهم رسل الله، وعن المعاصي مطلقا، لأنهم عقول مجردة بغير شهوة، ولا معصية إلّا عن شهوة ويؤيّده قوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) [التحريم] . وقال تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)[الأنبياء] ، وفي قوله تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ يعني الملائكة فكيف يكون إبليس منهم ويؤمر بالسجود فيمتنع، فعلى هذا يكون استثناؤه من الملائكة استثناء من غير الجنس أو يكون استثناء من جنس المأمورين بالسجود، لا من جنس الملائكة، ويكون التقدير:
وإذ قلنا للملائكة وإبليس اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس كما تقول: أمرت إخوتي وعبدي بكذا، فأطاعوني إلا عبدي، والعبد ليس من الإخوة ولا داخلا فيهم إلّا من حيث شمله الأمر بالفعل معهم، فهذا كذلك. القول الثاني: أنه كان من الملائكة قبل أن