يعصي الله تعالى، فلمّا عصاه مسخه شيطانا. روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، فيكون معنى قوله تعالى كانَ مِنَ الْجِنِّ [الآية ٥٠] لمخالفته، فتكون «كان» بمعنى صار. وقيل معناه: أنه كان من الجن في سابق علم الله تعالى وهذان القولان يدلّان على أنه كان من الملائكة قبل المعصية. وروي عنه أيضا أنه كان من خزّان الجنة، وهم جماعة من الملائكة يسمّون الجن فعلى هذا يكون قوله تعالى مِنَ الْجِنِّ أي من الملائكة الذين هم خزّان الجنة فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الآية ٥٠] بمخالفته فيكون استثناء من الجنس. وقال الزمخشري في سورة البقرة في قوله تعالى فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [البقرة: ٣٤] : وهو استثناء متصل، لأنه كان جنّيّا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم، فغلّبوا عليه في قوله فَسَجَدُوا.
قلت: وفي هذا التعليل نظر، ثم قال بعده: ويجوز أن يجعل منقطعا.
فإن قيل: لم قال تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي [الآية ٥٠] والأولياء: الأصدقاء والأحباب وهم ضد الأعداء، ويؤيّده قوله تعالى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [الآية ٥٠] وليس من الناس أحد يحب إبليس وذريته ويصادقهم؟
قلنا: المراد بالموالاة هنا، إجابة الناس لهم فيما يأمرونهم به من المعاصي، ويوسوسون في صدورهم وطاعتهم إيّاهم فالموالاة مجاز عن هذا، لأنه من لوازمها.
فإن قيل: قال تعالى هنا: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ [الآية ٥٢] : أي فلم يجب الأصنام المشركين، فنفى عن الأصنام النطق، وقال تعالى في سورة النحل: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦)[النحل] يعني فكذّبتهم الأصنام فيما قالوا، فأثبت لهم النطق فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: المراد بقوله تعالى نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ [الآية ٥٢] أي نادوهم للشفاعة لكم أو لدفع العذاب عنكم، فدعوهم فلم يجيبوهم لذلك، فنفى عنهم النطق بالإجابة إلى الشفاعة ودفع العذاب عنهم. وفي سورة