النحل، أثبت لهم النطق بتكذيب المشركين في دعوى عبادتهم، فلا تناقض بين المنفي والمثبت.
فإن قيل: لم قال تعالى:
شُرَكائِيَ وقال في سورة النحل شُرَكاءَهُمْ؟
قلنا: قوله تعالى شُرَكائِيَ معناه: في زعمكم واعتقادكم، ولهذا قال شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ وأخرجه مخرج التهكّم بهم، كما قال المشركون للنبي (ص) وفاقا، لما ورد في التنزيل يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)[الحجر] ، وقوله تعالى شُرَكاءَهُمْ يعني آلهتهم التي جعلوها شركاء، فإضافتها إلى الله تعالى لجعلهم إيّاها شركاء والإضافة تصحّ بأدنى ملابسة لفظية أو معنوية، فصحّت الإضافتان.
فإن قيل: لم قال تعالى نَسِيا حُوتَهُما [الآية ٦١] والناسي إنّما كان يوشع وحده، بدليل قوله تعالى فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ [الآية ٦٣] أي قصّة الحوت وخبره وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الآية ٦٣] ؟
قلنا: أضيف النسيان إليهما مجازا، والمراد أحدهما. قال الفرّاء: نظيره قوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢)[الرحمن] وإنما يخرج من الملح لا من العذب وقيل نسي موسى عليه السلام تفقّد الحوت ونسي يوشع أن يخبره خبره، وذلك أنه كان حوتا مملوحا في مكتل «١» قد تزوّداه فلما أصابه من ماء عين الحياة رشاش حيي وانسلّ وكان قد ذهب القضاء حاجة، فعزم يوشع أن يخبره بما رأى من أمر الحوت، فلما جاء موسى نسي أن يخبره، ونسي موسى تفقّد الحوت، والسؤال عنه.
فإن قيل: هذا التفسير يدلّ على أن النسيان من يوشع، أو منهما، كان بعد حياة الحوت وذهابه في البحر، وظاهر الآية يدل على أن النسيان كان سابقا على ذهابه في البحر، متّصلا ببلوغ مجمع البحرين، لقوله تعالى فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) .