للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما بلغا مجمع بينهما اتخذ الحوت سبيله في البحر سربا، فنسيا حوتهما.

فإن قيل: كيف نسي يوشع مثل هذه الأعجوبة العظيمة قي مدة يسيرة بل في لحظة، واستمر به النسيان يومه ذلك وليلته إلى وقت الغداء من اليوم الثاني، ومثل ذلك لا ينسى مع تطاول الزمان كيف كان ذلك، وقد كان الله تعالى جعل فقدان الحوت علامة لهما على وجدان الخضر (ع) ، على ما نقل أن موسى (ع) سأل الله تعالى علامة على موضع وجدانه، فأوحى إليه أن خذ معك حوتا في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ؟

قلنا: سبب نسيانه أنه كان قد اعتاد مشاهدة المعجزات من موسى (ع) واستأنس بها فكان إلفه لمثلها من خوارق العادات، سببا لقلة اهتمامه بتلك الأعجوبة، وعدم اكتراثه بها.

فإن قيل: لم قال تعالى حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها [الآية ٧١] بغير فاء وحَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ [الآية ٧٤] بالفاء؟

قلنا: جعل خرقها جزاء للشرط فلم يحتج إلى الفاء كقولك إذا ركب زيد الفرس عقره، وجعل قتل الغلام من جملة الشرط فعطفه عليه بالفاء.

فإن قيل: لم خولف بين القصّتين؟

قلنا: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب، وقتل الغلام تعقّب لقاءه.

فإن قيل: لم قال الله تعالى في قصّة الغلام لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) وفي قصة السفينة لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) ؟

قلنا: قيل «إمرا» معناه «نكرا» ، فعلى هذا لا فرق في المعنى. لأن الإمر والنّكر بمعنى واحد. وقيل الإمر العجب أو الداهية وخرق السفينة كان أعظم من قتل نفس واحدة، لأن في الأول هلاك كثيرين. وقيل النّكر أعظم من الإمر فمعناه: جئت شيئا أنكر من الأول، لأن ذلك كان يمكن تداركه بالسدّ، وهذا لا يمكن تداركه.

فإن قيل: لم قال تعالى في قصة السفينة أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ [الآية ٧٢] وفي قصة الغلام أَلَمْ أَقُلْ لَكَ [الآية ٧٥] ؟

قلنا: لقصد زيادة المواجهة بالعتاب على رفض الوصيّة مرّة ثانية، والتنبيه على تكرّر ترك الصبر والثبات.

فإن قيل: ما الحكمة في إعادة ذكر