عمّا في الآية من هذا القول أن فيه إضمارا تقديره: وما أرسلنا من رسول ولا نبأنا من نبيّ، أو ولا كان من نبيّ ويقول الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى متقلّدا سيفا ورمحا أي ومتعلقا رمحا أو حاملا رمحا.
فإن قيل: أين المثل المضروب في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الآية ٧٣] والمذكور بعده، وهو قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الآية ٧٣] إلى آخره ليس بمثل، بل هو كلام مبتدأ مستقل بنفسه؟
قلنا: الصفة والقصة الغريبة أو المستحسنة تسمى مثلا، ومنه قوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة: ١٧] فالمعنى يثبت بصفة، وهي عجز الصنم عن خلق الذباب واستنقاذ ما يسلبه، وقيل هو إشارة إلى قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [العنكبوت: ٤١] وإنما أبهم هنا.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الآية ٧٨] مع أن قطع اليد بسبب سرقة عشرة دراهم حرج في الدين وكذا رجم المحصن بسبب الوطء مرة واحدة، ووجوب صوم شهرين متتابعين بسبب إفطار يوم واحد من رمضان بوطء، والمخاطرة بالنفس والمال في الحجّ والعمرة كل ذلك حرج بيّن؟
قلنا: المراد بالدين كلمة التوحيد، فإنها تكفّر شرك سبعين سنة، ولا يتوقف تأثيرها على الإيمان والإخلاص سبعين سنة، ولا على أن يكون الإثبات بها في بيت الله تعالى أو في زمان أو مكان معين. وقيل المراد به أن كل ما يقع فيه الإنسان من الذنوب والمعاصي يجد له مخرجا في الشرع بتوبة أو كفّارة أو رخصة. وقيل المراد به فتح باب التوبة للمذنبين، وفتح أبواب الرّخص للمعذورين، وشروع الكفارات والديات وقيل المراد به نفي الحرج الذي كان على بني إسرائيل من الإصر والتشديد.
فإن قيل: لم قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [الآية ٧٨] وإبراهيم صلوات الله عليه لم يكن أبا للأمة كلها؟