ومن أمثالهم: الهوى إله معبود، على المعنى الذي ذكرنا. وذكر أحمد بن يحيى البلاذري «١» في كتاب (الأشراف) أن هذه الآية نزلت في الحارث بن قيس بن عديّ السّهمي، وهو من عبدة الأوثان لأنه كان كلما رأى حجرا أحسن من الذي اقتناه لعبادته، أخذه واطّرح ما عبده.
وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) . في الآية الأولى استعارتان، إحداهما قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ [الآية ٤٥] ، أي ألم تر إلى فعل ربك، أو إلى حكمة ربك في مدّ الظل، فحذف هذه اللفظة لدلالة الكلام عليها، إذ كان الله سبحانه لا يدرك بالمشاعر، ولا يرى بالنواظر. وقد يجوز أن يكون معنى الرؤية هاهنا معنى العلم. فكأنه سبحانه قال: ألم تعلم حكمة ربّك في مدّ الظل؟ وإنما أقام سبحانه، الرؤية هاهنا مقام العلم، لتحقّق المخاطب الذي هو النبي (ص) وجهة الله تعالى في ذلك الفعل، فقامت معرفة قلبه مقام رؤية عينه، قطعا باليقين، وبعدا عن الظنون.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى:
ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وهي استعارة على القلب. لأن الظل في الشاهد يدل على الشمس، وذلك أن الظل لا يكون إلا وهناك شمس طالعة، فيوصف ما لم تطلع عليه لحاجز يحجز، أو مانع يمنع، بأنه ظل. وقد قيل: إن الظل ما كان بالغداة، والفيء ما كان بالعشيّ. وقيل: إن الظل ما نسخته الشمس، والفيء ما نسخ الشمس، فعلى هذا القول يجوز أن يكون معنى قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي دائما لا ترد الشمس عليه فتزيله وتذهب به، ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. أي دللناها عليه، فهي تتحيّف من أقطاره، وتنتقص من أطرافه، حتى تستوفي أجمعه، وتكون
(١) . هو المؤرّخ الجغرافي النسابة: جالس الخليفة المتوكل العباسي، ومدح المأمون، ومات في أيام المعتمد، سنة ٢٧٩ هـ. ومن كتبه «فتوح البلدان» وهو مصدر وثيق للفتوحات الإسلامية: وقد طبع في أوروبا والقاهرة. وكتاب «الأشراف» .