بدلا منه. فهذا معنى قوله تعالى: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) .
ويجوز أن يكون معنى دلالة الشمس على الظل، أنه لولا الشمس لم يعرف الظل. ويجوز أن نقول: لولا الظل لم تعرف الشمس.
وفي قوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) استعارتان. فإحداهما قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً. والمراد باللباس هاهنا، والله أعلم، تغطية ظلام الليل النّشوز والقيعان، وأشخاص الحيوان كما تغطّي الملابس الضّافية، وتستر الجنن الواقية. وهذه العبارة من أفصح العبارات عن هذا المعنى.
ومعنى السّبات: قطع الأعمال، والرّاحة من الأشغال. والسّبت في كلامهم: القطع.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى:
وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً. والنشور في الحقيقة: الحياة بعد الموت. وهو هاهنا مستعار الاسم لتصرّف الحي وانبساطه، تشبيها للنوم بالممات، واليقظة بالحياة. وذلك من أوقع التشبيه، وأحسن التمثيل.
وفي قوله سبحانه: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [الآية ٤٩] استعارة. وقد مضت الإشارة إلى نظيرها في سورة «الأعراف» .
ووصف البلدة بالموت هاهنا محمول على أحد وجهين: إما أن تكون إنما شبّهت بالميت من فرط يبسها، لتسلّط المحل عليها، وتأخّر الغيث عنها. أو يكون فيها من النبات والشجر، لمّا مات لانقطاع الماء عنه، حسن أن توصف هي بالموت لموت بنيها، لأنها كالأم التي تكلفه، والظّئر التي ترضعه.
وفي قوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ [الآية ٥٣] استعارة. والمراد بذلك، والله أعلم، أنه خلّاهما من مذاهبهما، وأرسلهما في مجاريهما، كما تمرج الخيل أي تخلّى في المروج مع مراعيها.
فكان وجه الأعجوبة من ذلك، أنه سبحانه، مع التخلية بينهما في تقاطعهما، والتقائهما في مناقعهما، لا يختلط الملح بالعذب، ولا يلتبس العذب بالملح.