الأنبياء، في إقامته الحجج، وإظهاره المعجزات لأهل مصر وإصرارهم على تكذيبه والجفاء عليه، كما كان حال النبي (ص) مع أهل مكة.
فإن قيل: لم قال تعالى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ [الآية ٦١] والترائي «تفاعل» مشتقّ من الرؤية، فيقتضى وجود رؤية كل جمع للجمع الاخر، والمنقول أن بعضهم لم ير بعضا، فإن الله تعالى أرسل غيما أبيض، فحال بين العسكرين حتى منع رؤية بعضهم بعضا؟
قلنا: الترائي يستعمل بمعنى التداني والتقابل أيضا، كما قال (ص) :
«المؤمن والكافر لا يتراءيان» ، أي لا يتدانيان، ويقال: دورنا تتراءى: أي تتقارب وتتقابل.
فإن قيل: لم قال تعالى حكاية على لسان إبراهيم (ع) : وَإِذا مَرِضْتُ [الآية ٨٠] ، ولم يقل:«وإذا أمرضني» ، كما قال قبله: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) .
قلنا: لأنه كان في معرض الثناء على الله تعالى وتعديد نعمه، فأضاف إليه الخير المحض حفظا للأدب، وإن كان الكلّ مضافا إليه، ونظيره، كما ورد في التنزيل، قول الخضر (ع) فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها [الكهف: ٧٩] وقوله: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما [الكهف: ٨٢] .
فإن قيل: هذا الجواب يبطل بقوله تعالى: وَالَّذِي يُمِيتُنِي [الآية ٨١] ويقوله: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما [الكهف:
٨١] .
قلنا: إنما أضاف الموت إلى الله تعالى لأنه سبب لقائه إياه وانتقاله إلى دار كرامته، فكان نعمة من هذا الوجه.
وقيل: إنما أضاف المرض إلى نفسه، لأن أكثر الأمراض تحدث بتفريط الإنسان في مطاعمه ومشاربه.
فإن قيل: لم قال تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) والمال الذي أنفق في طاعة الله تعالى وسبيله ينفع، والولد الصالح ينفع، والولد الذي مات صغيرا يشفع، وشواهد ذلك كثيرة من الكتاب والسّنّة، خصوصا قوله (ص)«إذا مات ابن آدم ينقطع عمله إلّا من ثلاث» ، الحديث؟
قلنا: المراد بالآية أنهما لا ينفعان غير المؤمن، فإنه هو الذي يأتي بقلب سليم من الكفر، أو المراد بهما مال لم ينفق في طاعة الله تعالى، وولد بالغ غير صالح.