وهذه استعارة. وليس هناك تقلّب منه على الحقيقة. وإنما المراد به تقلّب أحواله بين المصلّين وتصرّفه فيهم بالركوع والسجود، والقيام والقعود. وذهب بعض العلماء في تأويل هذه الآية مذهبا آخر، فقال:
المراد بذلك تقلّب الرسول (ص) في أصلاب الآباء المؤمنين. واستدل بذلك على أن آباءه إلى آدم (ع) مسلمون، لم تختلجهم خوالج الشرك، ولم تضرب فيهم أعراق الكفر، تكريما له عليه السلام عن أن يجري إلا في منزّهات الأصلاب، ومطهّرات الأرحام. وهذا الوجه يخرج به الكلام عن أن يكون مستعارا.
وقوله سبحانه: يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وهذه استعارة على أحد التأويلين. وهو أن يكون المراد بها أنهم يشغلون أسماعهم، ويديمون إصغاءهم ليسمعوا من أخبار السماء ما يموّهون به على الضّلّال من أهل الأرض، وهم عن السمع بمعزل، وعن العلم بمزجر. وذلك كقول القائل لغيره: قد ألقيت إليك سمعي. أي صرفته إلى حديثك، ولم أشغله بشيء غير سماع كلامك. والتأويل الاخر أن يكون السّمع هاهنا بمعنى المسموع، كما يكون العلم بمعنى المعلوم، فيكون التأويل أن الشياطين يلقون ما يدّعون أنهم يستمعونه إلى كل أفّاك أثيم، من أعداء النبي (ص) ، على طريق الوسوسة واعتماد القدح في الشريعة. وهذا الوجه يخرج الكلام عن حد الاستعارة.
وقوله سبحانه: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) . وهذه استعارة. والمراد بها، والله أعلم، أن الشعراء يذهبون في أقوالهم المذاهب المختلفة، ويسلكون الطرق المتشعّبة. وذلك كما يقول الرّجل لصاحبه إذا كان مخالفا له في رأي، أو مباعدا له في كلام: أنا في واد، وأنت في واد. أي أنت ذاهب في طريق وأنا ذاهب في طريق. ومثل ذلك قولهم: فلان يهبّ مع كل ريح، ويطير بكل جناح، إذا كان تابعا لكل قائد، ومجيبا لكل ناعق.
وقيل إن معنى ذلك تصرّف الشاعر في وجوه الكلام من مدح وذم، واستزادة، وعتب، وغزل، ونسيب، ورثاء، وتشبيب، فشبّهت هذه الأقسام