فإن قيل: لم قال تعالى: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أي فهلا تصدّقون، مع أنهم مصدّقون أنه خلقهم، بدليل قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:
٨٧] ؟
قلنا: هم، وإن كانوا مصدّقين بألسنتهم، إلا أنهم لمّا كان مذهبهم على خلاف ما يقتضيه التصديق، فكأنهم مكذّبون به. الثاني: أنه تخصيص على التصديق بالبعث بعد الموت، بالاستدلال بالخلق الأول، فكأنه تعالى قال: هو الذي خلقكم أوّلا باعترافكم، فلا يمتنع عليه أن يعيدكم ثانيا، فهلا تصدّقون بذلك؟
فإن قيل: لم قال تعالى في الزرع:
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً [الآية ٦٥] ، «باللام» وقال تعالى في الماء: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً [الآية ٧٠] بغير لام؟
قلنا: الأصل، لغة، أن تذكر اللام في الموضعين، إذ لا بد منها في جواب «لو» ، إلّا أنها حذفت في الثاني اختصارا، وهي مؤدّية لدلالة الأولى عليها. الثاني: أن أصل هذه اللام للتأكيد، فذكرت مع المطعوم دون المشروب، لأنّ المطعوم مقدّم وجودا ورتبة، لأنه إنما يحتاج إلى الماء تبعا له، ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب فلما كان الوعيد بفقد المطعوم أشدّ وأصعب، أكّدت تلك الجملة مبالغة في التهديد.
فإن قيل: التسبيح: التنزيه عن السوء، فما معنى بِاسْمِ في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) لم لم يقل تعالى:
«فسبح ربك العظيم» ؟
قلنا: فيه وجوه: أحدها: أنّ الباء زائدة، والاسم بمعنى الذات، فصار المعنى ما قلتم. الثاني: أنّ الاسم بمعنى الذّكر، فمعناه فسبح بذكر ربك.
الثالث: أن الذّكر فيه مضمر، فمعناه فأحدث التسبيح بذكر اسم ربك.
الرابع: قال الضّحّاك: معناه فصلّ باسم ربك: أي افتتح الصلاة بالتكبير.
فإن قيل: إذا كان القرآن صفة من صفات الله تعالى، قديمة قائمة بذاته المقدّسة، فلم قال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ