قلنا: معناه مكتوب في كتاب مكنون، ولا يلزم، من كتابة القرآن في الكتاب، أن يكون القرآن حالا في الكتاب، كما لو كتب إنسان على كفه:
«ألف دينار» ، لا يلزم منه وجود ألف دينار في كفّه، وكذا لو كتب في كفّه العرش أو الكرسي، وكذا وكذا، قال تعالى في صفة النبي (ص) : يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف: ١٥٧] . الثاني: أن القرآن لو كان حالّا في المصحف، فإما أن يكون جميعه حالّا في مصحف واحد، أو في كلّ مصحف، أو في بعضه ولا سبيل إلى الأول، لأن المصاحف كلّها سواء في الحكم في كتابته فيها، ولأنّ البعض ليس أولى بذلك من البعض ولا سبيل إلى الثاني، وإلّا يلزم تعدّد القرآن، وإنّه متّحد ولا سبيل الى الثالث، لأنّه كلّه مكتوب في كلّ مصحف، ولأنّ هذا المصحف ليس أولى بهذا البعض من ذلك المصحف وكذا الباقي، فثبت أنه ليس حالا في شيء منها، بل هو كلام الله تعالى، وكلامه صفة قديمة قائمة به سبحانه لا تفارقه.
فإن قيل: فإذا لم تفارقه، فلم سمّاه تعالى منزلا وتنزيلا، وقال سبحانه نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)[الشعراء] ونظائره كثيرة، وإذا فارقه، وباينه، يكون مخلوقا، لأنّ كل مباين له فهو غيره، وكلّ ما هو غيره هو مخلوق؟
قلنا: معنى إنزاله أنه، سبحانه وتعالى، علّمه لجبريل فحفظه، وأمره أن يعلّمه للنبي (ص) ويأمره أن يعلّمه لأمّته، مع أنه لم يزل، ولا يزال، صفة الله تعالى، قائمة به لا تفارقه.