بأشدّ، لزم ثبوت الخوف لله تعالى، كما تقول: زيد أشدّ خوفا في الدار من عمرو. وذلك محال، وإن كان «من الله» متعلّقا بالخوف فأين الذي فضل عليه المخاطبون وأيضا فإن الآية تقتضي إثبات زيادة الخوف للمؤمنين، وليس المراد ذلك باتفاق المفسرين؟
قلنا: «رهبة» مصدر رهب، مبنيّ لما لم يسمّ فاعله فكأنه قيل أشدّ مرهوبية، يعني أنكم في صدورهم أهيب من الله فيها، كذا فسّره ابن عباس رضي الله عنهما، تقول زيد أشدّ ضربا في الدار من عمرو، يعني مضروبية.
فإن قيل: كيف يستقيم التفضيل بأشدّية الرهبة، مع أنهم كانوا لا يرهبون الله، لأنهم لو رهبوه لتركوا النفاق والكفر؟
قلنا معناه أنّ رهبتهم في السر منكم أشدّ من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم وكانوا يظهرون للمؤمنين رهبة شديدة من الله تعالى.
فإن قيل: لم ورد في التنزيل على لسان إبليس: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ [الآية ١٦] .
وهو لا يخاف الله تعالى، لأنه لو خافه لما خالفه، ثم أضلّ عبيده؟
قلنا: قد سبق هذا السؤال وجوابه في سورة الأنفال.
فإن قيل ما الحكمة في تنكير النفس والغد، في قوله تعالى: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الآية ١٨] ؟
قلنا: أما تنكير النفس، فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدّمت للاخرة، كأنه تعالى قال: ولتنظر نفس واحدة في ذلك، وأين تلك النفس. وأمّا تنكير الغد فلعظمته، وإبهام أمره، كأنه قال لغد لا يعرف كنهه لعظمه.
فإن قيل: لم قال تعالى، لِغَدٍ وأراد به يوم القيامة، والغد عبارة عن يوم بينه وبيننا ليلة واحدة؟
قلنا: الغد له مفهومان: أحدهما ما ذكرتم. والثاني مطلق الزمان المستقبل ومنه قول الشاعر:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنّني عن علم ما في غد عمي
وأراد به مطلق الزمان المستقبل، كما أراد بالأمس مطلق الزمان الماضي، فصار لكل واحد منهما مفهومان ويؤيّده أيضا قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ