خلق الله إلّا هو. وإنّ خزنة النار، وإن كانوا تسعة عشر، فإن لهم من الأعوان والجنود من الملائكة، ما لا يعلمه إلّا الله سبحانه، وما هذه السورة إلّا تذكرة للبشر.
[الآيات ٣٢- ٣٨] : كلا وحقّ القمر، والليل إذا تولّى، والصبح إذا تجلّى، إنّ الاخرة وما فيها، أو سقر والجنود التي عليها، هي إحدى الأمور الكبيرة العجيبة، المنذرة للبشر، بما وراءهم من الخطر ولكلّ نفس أن تختار طريقها، وأن تتقدم في سبيل الخير أو تتخلّف عنه.
[الآيات ٣٩- ٤٨] : تعرض هذه الآيات مقام أصحاب اليمين، فهم في جنّات يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين.
ويقال لهم: أيّها المجرمون ما الذي أدخلكم في جهنّم؟ فيعترفون اعترافا طويلا مفصّلا، يتناول الجرائر الكثيرة التي انتهت بالمجرمين إلى سقر.
قالوا دخلنا جهنّم، لأننا لم نك من المؤمنين، ولم نك نطعم المساكين، وكنّا نخوض في الباطل مع الخائضين، وكنّا نكذّب بيوم الجزاء والحساب، حتّى جاءنا الموت الذي يقطع كلّ شكّ، وينهي كلّ ريب، فما تنفعهم بعد ذلك شفاعة الشافعين، لأنه يكون قد انقضى وقت الإمهال.
[الآيات ٤٩- ٥٦] : فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) : إذا كان الحال في الاخرة سيكون كما وصفنا في الآيات السابقة، فما بالهم معرضين عن القرآن؟ كأنهم، في هربهم من سماع كلام الله ونفورهم منه، حمير نافرة، فرّت من أسد تطلب النجاة من بطشه.
تلك هيئتهم الظاهرة.
ثمّ يرسم القرآن نفوسهم من الداخل، وما يعتلج فيها من المشاعر فيبين أنّ الحسد هو الذي منعهم من الإيمان، بل يرغب كل منهم أن يكون في منزلة الرسول (ص) ، وأن يؤتى صحفا تنشر على الناس وتعلن، وإنّما حملهم على ذلك أنّهم لا يصدّقون بالآخرة، ولا يخافون أهوالها، وأن هذا القرآن تذكرة تنبّه وتذكّر، فمن أراد الانتفاع بالقرآن قرأه وانتفع به.
وما يهتدون إلّا بمشيئة الله، هو سبحانه أهل بأن يتّقى عذابه، وترجّى مغفرته، وهو سبحانه صاحب المغفرة يتفضّل بها على عباده وفق مشيئته.