«وقصارى ما سلف، أنّه، سبحانه، وصف النعيم الذي أعدّه للأبرار في دار كرامته بما تتطلع اليه النفوس، وبما يشوّقها اليه، ليكون حضّا للذين يعملون الصالحات على الاستزادة من العمل، والاستدامة عليه وحثّا لهمم المقصرين، واستنهاضا لعزائمهم أن يحرصوا على التزوّد من العمل الصالح، ليكون لهم مثل ما لأولئك»«١» .
[الآيات ٢٩- ٣٣] : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) : كانوا يضحكون منهم استهزاء بهم وسخرية منهم، إمّا لفقرهم ورثاثة حالهم، وإمّا لضعفهم عن ردّ الذي، وإمّا لترفّعهم عن سفاهة السفهاء فكلّ هذا ممّا يثير ضحك الذين أجرموا، وهم يتّخذون المؤمنين مادّة لسخريتهم، أو فكاهتهم المرذولة.
وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ
(٣٠) يغمز بعضهم لبعض بعينه، أو يشير بيده، أو يأتي بحركة متعارف عليها بينهم للسخرية من المؤمنين، وإذا انقلب هؤلاء الضالّون إلى أهلهم، ورجعوا إلى بيوتهم، رجعوا إليها فكهين ملتذّين بحكاية ما يعيبون به أهل الايمان، إذ يرمونهم بالسّخافة وقلّة العقل، وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) أي وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم الى الضلال لأنهم نبذوا العقائد الفاسدة، وتركوا عبادة الأصنام. ولم يرسل الله، سبحانه، الكفّار رقباء على المؤمنين، ولا كلّفهم بمحاسبتهم على أفعالهم، فما لهم وهذا الوصف، وهذا التقرير.
روي أن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، جاء في نفر من المسلمين، فرآه بعض هؤلاء الكفّار، فسخروا منه وممّن معه، وضحكوا منهم، وتغامزوا بهم، ثمّ رجعوا إلى جماعتهم من أهل الشرك، فحدّثوهم بما صنعوا به، وبأصحابه.
والآيات ترسم مشهدا لسخرية
(١) . تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي، ط ٣، مصطفى البابي الحلبي، ٣٠/ ٨٢.