الأمر بالتذكير عامّ، نفعت الذكرى أم لم تنفع، وعمله (ص) شاهد على ذلك» .
[الآية ١٠] : سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) ، ذلك الذي يستشعر قلبه التقوى فيخشى غضب الله وعذابه، فإذا ذكّر ذكر، وإذا بصّر أبصر، وإذا وعظ اعتبر.
[الآيتان ١١ و ١٢] : وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) أي ويبتعد عن هذه التذكرة، المعاند المصرّ على الجحود عنادا واستكبارا، حتى مات قلبه وشقيت روحه، فسيلقى النار الكبرى، وهي نار جهنم، وهي كبرى إذا قيست بنار الدنيا، أي هي كبرى لشدّتها ومدّتها وضخامتها، حيث يمتد بقاؤه فيها، فلا هو ميت يجد طعم الراحة، ولا هو حي فيحيا حياة السعادة. تقول العرب: لمن ابتلي بمرض أقعده: لا هو حيّ فيرجى، ولا ميت فينعى.
[الآيتان ١٤ و ١٥] : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) ، قد أدرك الفلاح من تطهّر من كلّ رجس ودنس، وأيقن بالحقّ وسعد بالإيمان، فهو في فلاح وسعادة بذكره اسم الله، وبصلاته وخشوعه لله، واعتماده عليه فهو في فلاح في الدنيا لأنّه عاش موصولا بالله، مؤدّيا للصلاة، مراقبا مولاه، وهو في فلاح في الآخرة، بنجاته من النار الكبرى، وفوزه بالنعيم والرضا.
[الآيتان ١٦ و ١٧] : بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) ، بل أنتم، لقصر أنظاركم، تؤثرون الفانية على الباقية. والحال أنّ الآخرة أفضل من الدنيا في نوعها، وأبقى في أمدها، ولو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لوجب إيثار ما يبقى على ما يفنى فكيف الحال والدنيا من خزف يفنى، والآخرة من ذهب يبقى.
[الآيتان ١٨ و ١٩] : إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩) ، أصول هذه الشريعة العادلة، وقواعد المؤاخذة والحساب، وما ورد في هذه السورة من أصول العقيدة الكبرى، هو الذي في الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى، فدين الله واحد، وإنّما تتعدّد صوره ومظاهره.