بنجاة إخوانهم الذين ثبتوا في القتال، واستجابوا للنبي (ص) من بعد ما أصابهم القرح، وكان قد طلب منهم الذهاب وراء المشركين، حين بلغه أنهم أرادوا أن يرجعوا إليهم ثانيا ليقضوا عليهم، فلما علموا أن المسلمين يطلبونهم رجعوا عن عزمهم، وقد وعدهم على ذلك عظيم الأجر، وذكر أن بعض الناس ثبطوهم عن طلب المشركين وخوفوهم منهم فلم يسمعوا لهم، وأنهم مضوا في طلبهم ثم انقلبوا بنعمة منه وفضل، إلى غير ذلك مما ذكره في أمرهم.
ثم نهى النبي (ص) أن يحزن لمسارعة المنافقين واليهود في مناصرة الكفر، لأنهم لن يضرّوا الله شيئا، وإنما يجنون على أنفسهم الحرمان من الثواب في الآخرة، ولهم فيها عذاب عظيم، ثم نهاهم أن يحسبوا أن إملاءه لهم خير لأنفسهم، لأنه إنما يملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. ثم ذكر أنه ما كان ليترك المؤمنين على ما كانوا عليه حتى يميز الخبيث من الطيب بهذه المحنة، وأنه ما كان ليطلعهم على غيب القلوب، ولكنه يجتبي من رسله من يشاء للاطّلاع على ذلك الغيب، فيجب عليهم أن يؤمنوا بما يخبرونهم به من أسرارهم. ثم نهى الذين يبخلون من المنافقين بالجهاد بأموالهم أن يحسبوه خيرا لهم، لأنهم سيطوّقون ما بخلوا به في آخرتهم. وذكر أن ميراث السماوات والأرض من أموالهم وغيرها له دون غيره، فلا يصح لهم أن يبخلوا بها عليه. ثم ذكر أنه سمع ما تهكم به اليهود منهم حين طلبوا إلى بذل أموالهم إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [الآية ١٨١] ، وأنه سيكتب ما قالوا من ذلك وما حصل منهم قديما من قتل الأنبياء بغير حق، ثم يذيقهم عليه في الآخرة عذاب الحريق، ثم ذكر أنهم تعللوا في ذلك بأنه عهد إليهم ألّا يؤمنوا ويجاهدوا إلا مع رسول يأتيهم بقربان تأكله نار تنزل من السماء، وكذبهم في ما تعللوا به بأنهم قد جاءتهم رسلهم بذلك فكذبوهم وقتلوهم. ثم ذكر أنهم إذا كذّبوه فليس هو بأول من كذّب من الرسل، فقد كذّب رسل من قبله جاءوا بالمعجزات والكتب والكتاب المنير، ثم هدّدهم بأن كل نفس ذائقة الموت، وإنما يوفّون أجورهم يوم القيامة، فالفائز من فاز في ذلك اليوم، ولا قيمة للحياة الدنيا التي يحرصون عليها.