ثم رجع إلى تحذيرهم من أولئك الكافرين، وكانوا يقولون لهم: لو تركتم الغزو وأقمتم عندنا كما أشرنا عليكم ما متّم وما قتلتم، فأمر المؤمنين ألا يسمعوا لهم ولا يشاركوهم في مقالهم، ليكون ذلك حسرة في قلوبهم. وذكر أن كل إنسان يحيا ويموت على حسب ما قدّر له، وأن من يقتل أو يموت في سبيله، فله عنده خير من أموالهم التي يحرصون على الحياة من أجلها، وأنه لا بد من حشر كل من يموت أو يقتل ليلقى جزاءه على ما قدّم.
ثم ذكر أن لين النبي (ص) لهم بعد ما حصل منهم كان بما فطره الله عليه من الرحمة، وأمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وأن يستمر في مشاورته لهم وإن أخطئوا في هذه المرة. فإذا عزم بعد المشاورة فليتوكل عليه لأن النصر بيده، وإذا أراد نصرهم فلا غالب له، وإذا أراد أن يخذلهم فلا ناصر لهم.
ثم ذكر أنه ما كان لنبي أن يغلّ في الغنائم ويحتجزها لنفسه، حتى يبادر رماتهم إليها ويكشفوا ظهرهم لعدوهم، وما يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة، ثم توفّى كل نفس ما كسبت ولا يكون من غلى كمن لم يغلّ، لأنه لا يصح أن يكون من اتبع رضوانه بترك الغول كمن غلّ فباء بسخط منه ثم ذكر أنه قد منّ عليهم بأن بعث فيهم رسولا منهم يطهر هم من الرذائل ويعلمهم ما ينفعهم. ومن هذا شأنه لا يمكن أن يغلّهم في غنائم.
وذكر أنّه يلومهم على استكثارهم لمن قتلوا منهم بعد أن قتلوا أضعافهم من المشركين في بدر، وقد قالوا في استكثارهم (أنّى هذا) فأجابهم بأنه من عند أنفسهم لما حصل منهم من المخالفات، وأنه حصل بإذنه ليميز المؤمنين من المنافقين الذين أبوا أن يقاتلوا، وقالوا فيمن قتل من المسلمين لو أطاعونا ما قتلوا، وقد أمر النبي (ص) أن يجيبهم بأن يدفعوا عن أنفسهم الموت إن كانوا صادقين في زعمهم أنهم لو أطاعوهم نجوا من القتل، ثم نهى النبي (ص) والمسلمين أن يحسبوا هؤلاء الشهداء أمواتا، وذكر أنهم أحياء عنده، وأنهم فرحون بما آتاهم من فضله، وأنهم مستبشرون