للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يطيل قليلا جدا من الكسرة بعد الهاء، بحيث يتولد من ذلك شيء من مدّ طويل. كل هذا يرمي إلى أن تجوّد التلاوة فيتأتّى من ذلك عربيّة فائقة الأداء ناصعة البيان.

ثم إنّ هذا يظهر أن للعربية نظاما في أصوات المد واللين، قصيرها وطويلها، وأن هذا النظام أداة حكيمة في مجيء هذه اللغة رشيقة البناء في مفرداتها وجملها، فقد يقصر الصوت حتى يؤول إلى حركة هي الفتحة والكسرة والضمة، وقد يطول فيكون أصوات المد التي تدعى ألفا وواوا وياء «١» .

على أن طول ما يدعى ب «الحركات» ليس ثابتا، فقد يختلف نفر عن آخر في هذا الطول، وقد تختلف الفتحة في طولها عن نظيرتها الفتحة الأخرى في الكلمة الواحدة، ومثل ذلك يقال في الكسرة والضمة، ألا ترى أن الضمة في «حسام» غير الضمة في «كسر» المبنيّ للمجهول.

وإذا كان الناس متفاوتين في إخراج هذه الأصوات القصيرة بحسب طولها، فهم متفاوتون أيضا في إعطاء شيء من هذه الفتحة إلى شيء من تلك الكسرة.

وهم متفاوتون أيضا في الأصوات الطويلة، فقد يختلف اثنان في مدّ كلمة «شاعر» مثلا، فبعضهم يمد الفتح فيكون الألف، وآخر يقصر الفتح قليلا، فيحمل الضيم على كسرة «العين» فتطول قليلا «٢» .

ومن أجل حسن الأداء يصار إلى القصر كما أشرنا في أصوات اللين، ألا ترى أن «يا» ، أداة النداء يتحقق فيها المدّ كاملا، إذا وليها صوت متحرك فتقول: «يا عبد الله» ، ولكنها تقصر كثيرا حتى تتحول إلى صوت قصير هو الفتحة إذا وليها صوت ساكن نحو: «يا ابن مالك» .

ولقد كان مقدار المدّ مظهرا من مظاهر اللهجات الخاصة في العربية الواسعة الرقعة. وما أظن أن كلمة «سلسل» ، وكلمة «سلسال» ، وهما بمعنى، إلّا شيء من هذا.


(١) . لعل من أهم المشكلات اللغوية الصوتية، عدم التفريق في التسمية بين طبيعتين مختلفتين في الأصوات، فالواو والألف والياء، وهي من أصوات المد أو اللين غير الأصوات الصامتة الأخرى في «أمر» و «وجد» ، و «ينع» فالألف في الأولى هي همزة، والواو في الثانية صوت صامت، ومثل ذلك الياء في الثالثة.
(٢) . قد يتبين هذا واضحا في نطق المغاربة لهذه الألفاظ الفصيحة.