مبنيا للمجهول، والآية التي ذكرناها إحدى هاتين، والفعل فيها بمعنى الوجود. وقد كنا أشرنا إلى هذا بإيجاز كما في الآية ١٩١ من سورة البقرة:
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: حيث وجدتموهم وقوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا بمعنى أينما وجدوا.
أقول:
لم يبق هذا الفعل بهذه الدلالة في العربية المعاصرة، على أننا لا نجده بهذه الدلالة في العربية القديمة، ولم يرد من ذلك إلا بيت واحد ذكره أهل المعجمات غير منسوب إلى قائل. إن هذا يعني أن لغة القرآن قد أكدت هذا الفعل بهذا المعنى الواضح.
أما دلالة الفعل الأخرى فهي قولنا:
ثقف الشيء ثقفا وثقافا وثقوفة، أي:
حذقه.
ورجل بيّن الثّقافة وهو ثقف وثقف إذا كان ضابطا لما يحويه قائما به.
وثقف الخلّ ثقافة فهو ثقف وثقيف، أي: حذق وحمض جدا. والثّقافة والثّقافة: العمل بالسيف.
والثّقاف: ما تسوّى به الرماح، وتثقيفها تسويتها.
أقول:
هذا أكثر ما أثر في العربية من هذه الكلمة فما حالها اليوم. لعل من حياة المواد اللغوية، والمسيرة التي تنتابها، ما يذكّرنا بمختلف نماذج الكائن الحي في دنيانا هذه، فمن نشأة وحياة واستمرار إلى نكوص وانزواء ففناء، أو إلى استحالة أخرى تقطع الصلة بين الأول والآخر. ولعل من هذا أيضا ما كتب لمادة «الثقافة» في عصرنا هذا.
إن «الثقافة» ، في موادنا اللغوية المعاصرة، كلمة ذات مدلول كبير واسع، يتصل بالحضارة والفكر والعلم والخلق وسائر ضروب السلوك البشري. ولعل من الصعب أن يصار إلى تعريفها تعريفا يستوفى فيه ما يجب أن يشتمل عليه. وما كان لهذه الكلمة أن تنال ما نالته لولا الأثر الأجنبي، الذي عرض لما يحزبنا نحن العرب في شؤون الفكر والعلم، وسائر مواد الحضارة المعاصرة.
إن هذا الأثر الأجنبي هو ما نعانيه من الرغبة في ترجمة المعاني الأجنبية، وأخصّ منها الغربية في عصرنا الحديث. لقد واجه أهل الفكر في عصرنا مادة: وعرفوا شيئا من