من سورة النساء] : وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ.
إن الفعل «همّ» ، في كلتا الآيتين، قد أتبع بالمصدر المؤوّل من «أن والفعل» ، وهذا الاستعمال يذكّرنا بطائفة من الأفعال، أفرد لها النحاة بابا أسموه أفعال المقاربة والرجاء والشروع، وهي كاد وكرب وأوشك، وعسى وحرى واخلولق، وجعل وأخذ وشرع وقام وأنشأ ونحوها.
قلت: إن الفعل «همّ» في الآيتين يذكرنا بهذه الأفعال في استعمالها من حيث أنها يليها «أن والفعل» «١» .
ألا ترى أن في قوله تعالى إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ شيئا من معنى «أوشك» واستعمالها واحد.
وكان على النحاة الأوائل أن يقفوا على هذا الاستعمال، ويشيروا إلى هذه العلاقة كما أفصحت عنها لغة التنزيل العزيز.
وأما القول الثاني، فهو في معنى «الفشل» ، لقد قالوا:
الفشل: الرجل الضعيف الجبان، وفشل الرجل فشلا، أي: كسل وضعف وتراخى وجبن ...
وعلى هذا يخرّج الفعل في الآية المذكورة.
ومثله في قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ [الآية ١٥٢] .
وقوله تعالى: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ [الأنفال/ ٤٣] .
وقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال/ ٤٦] .
أقول: فكيف آل الفعل في العربية المعاصرة؟ لقد صار الفعل «فشل» ، بمعنى خاب وأخفق في مسعاه، يقال:
فشل الولد في المدرسة، وفشل المشروع الفلاني، وفشلت التجربة.
أيكون هذا التحول في المعنى والدلالة ضربا من الاتساع صارت
(١) . إن قول النحاة إن لهذه الأفعال عملا كعمل الفعل «كان» ، أي: أنها تقتضي الاسم والخبر، وخبرها هو أن والفعل، قول ضعيف متهافت، ولا يمكن أن يكون أن والفعل مسندا كحال الخبر في «كان» من قولنا: كان زيد شاعرا.