فإن قيل: قوله تعالى يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [الآية ١٣] أي ترى الفئة الكافرة الفئة المسلمة مثلي عدد نفسها، أو بالعكس على اختلاف القولين. وكيفما كان، فهو مناف لقوله تعالى في سورة الأنفال: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الأنفال/ ٤٤] لأنه يدل على أن الفئتين تساوتا في استقلال كل واحدة منهما للأخرى، فكل منهما ترى الأخرى قليلة؟
قلنا: التقليل والتكثير في حالين مختلفين، قلل الله المشركين في نظر المؤمنين أوّلا، والمؤمنين في نظر المشركين حتى اجترأت كل فئة على قتال صاحبتها فلما التقتا كثّر الله المؤمنين في نظر المشركين حتى جبنوا وفشلوا فغلبوا، وكثّر الله المشركين في نظر المؤمنين أو أراهم إياهم على ما هم عليه، وكانوا في الحقيقة أكثر من المؤمنين ليعلموا صدق ما وعدهم الله تعالى بقوله فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال/ ٦٦] ، الآية، فإن المؤمنين غلبوهم في هذه الغزاة وهي غزاة بدر. مع أنهم كانوا أضعاف عدد المؤمنين وقيل: أرى الله المسلمين المشركين مثل عدد المسلمين وكانوا ثلاثة أمثالهم لكنه قلّلهم في أعين المسلمين، وأراهم إياهم بقدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم لتقوى قلوبهم بما سبق من الوعد أن المائة من المؤمنين يغلبون المائتين منهم.
فإن قيل: ما الحكمة من تكرار قوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ في قوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [الآية ١٨] ؟
قلنا: الأول قول الله عزّ وجلّ، والثاني حكاية قول الملائكة وأولي العلم. وقال جعفر الصادق رحمه الله تعالى: الأول وصف، والثاني تعليم أي قولوا واشهدوا كما شهدت.
فإن قيل: ما الحكمة من قوله تعالى وَهُمْ مُعْرِضُونَ في قوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) والتولي والإعراض واحد كما سبق في البقرة، فلم جمع بينهما؟
قلنا: معناه: يتولون عن الداعي ويعرضون عما دعاهم إليه وهو كتاب الله، أو يتولون بأبدانهم ويعرضون عن الحق بقلوبهم، أو قلنا الذين تولوا