للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علماؤهم، والذين أعرضوا أتباعهم.

فإن قيل: لم قال تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ [الآية ٢٦] خص الخير بالذكر، وبيده تعالى الخير والشر والنفع والضر أيضا؟

قلنا: لأن الكلام إنما ورد ردا على المشركين فيما أنكروه مما وعد الله تعالى به نبيّه (ص) على لسان جبريل عليه السلام من فتح بلاد الروم وفارس، ووعد النبي (ص) الصحابة بذلك، فلما كان الكلام في الخير خصه بالذكر باعتبار الحال، أو أراد الخير والشر فاكتفى بأحدهما لدلالته على الآخر كقوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل/ ٨١] وإنما خص الخير بالذكر لأنه المرغوب فيه المطلوب للعباد من الله تعالى.

فإن قيل: لم قال تعالى يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [الحج/ ٦١] وإيلاج الشيء في الشيء يقتضي اجتماع حقيقتهما بعد الإيلاج، كإيلاج الخيط في الإبرة والإصبع في الخاتم ونحوهما، وحقيقة الليل والنهار أنهما لا يجتمعان؟

قلنا: الإيلاج قد يكون كما ذكرتم، وقد يكون مع تبدل صفة أحدهما بغلبة صفة الآخر عليه مع بقاء ذاته فيه، كإيلاج يسير من الخبز في لبن كثير أو بالعكس، فإن الحقيقتين مجتمعتان ذاتا، وصفة إحداهما غالبة على الأخرى. كذلك الليل والنهار إذا كان الليل أربع عشرة ساعة بالنسبة إلى زمن الاعتدال، ففيه من النهار ساعتان قطعا وكذا على العكس. أو معناه يولج زمن الليل في زمن النهار وبالعكس. أو يولج الليل في النهار وبالعكس باعتبار أن ليل قوم هو نهار آخرين وبالعكس، أو معناه أنه خلق ليلا صرفا خالصا، وخلق ما هو ممتزج منهما وهو ما قبيل طلوع الشمس وقبيل غروبها. والجواب الثالث والرابع يعمان السنة بأسرها.

فإن قيل: ما الحكمة من قوله تعالى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى [الآية ٣٦] وهو معلوم من غير ذكر؟

قلنا: الحكمة اعتذارها عما قالته ظنا، فإنها ظنت أن ما في بطنها ذكر، ولهذا نذرت أن تجعله خادما لبيت المقدس، وكان من شريعتهم صحة هذا النذر في الذكور خاصة. فلما وضعت أنثى استحيت لمّا خاب ظنها ولم يتقبّل نذرها، فقالت ذلك معتذرة، تعني ليست الأنثى بصالحة لما يصلح