قلنا: لأن الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات فأعلمت، بنسبه إليها، أنه يولد من غير أب، فلا ينسب إلا إلى أمه.
فإن قيل: أي معجزة لعيسى (ع) في تكليم الناس كهلا، وأي خصوصية له في هذا حتى قال وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [الآية ٤٦] ؟
قلنا: معناه ويكلم الناس في هاتين الحالتين بكلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل وينبأ فيها الأنبياء، فكأنه قال: ويكلم الناس في المهد كما يكلمهم كهلا. وقال الزّجّاج: هذا خرج مخرج البشارة لمريم أنه عليه الصلاة والسلام سيبقى إلى زمن الكهولة، فهو بشارة لها بطول عمره، وقيل المقصود منه أن الزمان يؤثر فيه كما يؤثر في غيره، وينقله من حال إلى حال ولو كان إلها لم يجز عليه التغيّر.
فإن قيل: لم قال تعالى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ [الآية ٥٥] والله تعالى رفعه ولم يتوفّه؟
قلنا: لما هدده اليهود بالقتل بشّره الله بأنه إنما يقبض روحه بالوفاة لا بالقتل، والواو لا تفيد الترتيب، فلا يلزم من الآية موته قبل رفعه. الثاني أن فيه تقديما وتأخيرا: أي أني رافعك ومتوفيك. والثالث أن معناه: قابضك من الأرض تاما وافيا في أعضائك وجسدك لم ينالوا منك شيئا، من قولهم: توفيت حقي على فلان إذا استوفيته تاما وافيا. الرابع أن معناه:
أني متوفيك في نفسك بالنوم من قوله تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر/ ٤٢] ورافعك إليّ وأنت نائم حتى لا تخاف، بل تستيقظ وأنت في السماء.
فإن قيل: لم قال تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [الآية ٥٩] ، وآدم خلق من التراب وعيسى خلق من الهواء، وآدم خلق من غير أب وأم، وعيسى خلق من أم.
قلنا: المراد به التشبيه في وجوده بغير واسطة أب، والتشبيه لا يقتضي المماثلة من جميع الوجوه بل من بعضها.
فإن قيل: لم خص أهل الكتاب بأن منهم أمينا وخائنا بقوله سبحانه وَمِنْ