أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
[الآية ٧٥] ، والمسلمون وغيرهم من أهل الملل كذلك منهم الأمين والخائن.
قلنا: إنما خصهم باعتبار واقعة الحال، فإن سبب نزول الآية أن عبد الله بن سلام أودع ألفا ومائتي أوقية من الذهب فأدى الأمانة فيها، وفنحاص بن عازوراء أودع دينارا فخانه، ولأن خيانة أهل الكتاب للمسلمين تكون عن استحلال بدليل آخر الآية، بخلاف خيانة المسلم للمسلم فلذلك خصهم بالذكر.
فإن قيل: لم قال تعالى وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [الآية ٨٣] وأكثر الجن والإنس كفرة؟
قلنا: المراد بهذا الاستسلام والانقياد لما قضاه الله عليهم وقدره من الحياة والموت والمرض والصحة والشقاء والسعادة ونحو ذلك.
فإن قيل: لم قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ [الآية ٩٠] ومعلوم أن المرتد، وإن ازداد ارتداده كفرا، فانه مقبول التوبة؟
قلنا: نزلت الآية في قوم ارتدّوا ثم أظهروا التوبة بالقول لستر أحوالهم والكفر في ضمائرهم، قاله ابن عباس.
وقيل نزلت في قوم تابوا عن ذنوبهم غير الشرك وقيل معناه: لن تقبل توبتهم وقت حضور الموت.
فإن قيل: لم قال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ [الآية ٩٦] وكم من بيت بني قبل الكعبة من زمن آدم إلى زمن إبراهيم عليه السلام؟
قلنا: معناه أن أول بيت وضع قبلة للناس ومكان عبادة لهم، أو وضع مباركا للناس، أو لأن ابن عباس قال:
أول من بناه آدم (ع) ، لما هبط من السماء أوحى الله تعالى إليه أن ابن لي بيتا في الأرض، وافعل حوله نحو ما رأيت الملائكة تفعل حول عرشي، فبناه وجعل يطوف حوله.
فإن قيل: لم قال الله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [الآية ١١٠] ولم يقل أنتم خير أمة؟
قلنا: معناه كنتم في سابق علم الله، أو كنتم يوم أخذ الميثاق على الذرية، فأراد الإعلام بكون ذلك صفة أصلية فيهم لا عارضة متجددة، أو معناه خلقتم ووجدتم، فهي «كان» التامة،