للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: الوعد من الله تعالى على ألسنة الرسل للمؤمنين وعد عام يحتمل أن يراد به الخصوص كما في أكثر عموميات القرآن، فسألوا الله تعالى أن يجعلهم من الداخلين في حكم الوعد.

الثاني أنهم سألوا تعجيل النصر الذي وعدوا، فإنه تعالى وعدهم النصر على أعدائهم غير موقت بوقت خاص.

فإن قيل: كيف يجوز أن يغتر الرسول بنعم الذين كفروا حتى نهى عن الاغترار بقوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) أي تصرفهم فيها بالنّعم؟

قلنا: معناه لا يغرنكم أيها المؤمنون، فإن رئيس القوم ومقدمهم يخاطب بشيء، والمراد به أتباعه وجماعته. الثاني أنه عليه الصلاة والسلام كان غير مغتر بحالهم، فقيل له ذلك تأكيدا وتثبيتا على الدوام عليه، كما قيل له: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) [القصص] ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) [القصص] ، فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) [القلم] .

فإن قيل: كيف ينهى عن التقلب وهو مما ليس ينهى عنه؟

قلنا: معناه لا تغتر بتقلبهم، فيكون تقلبهم قد غرك، وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبّب، لأن تقلبهم لو غرّه لاغترّ به فمنع السبب وهو غرور تقلبهم إياه، ليمتنع المسبّب وهو اغتراره بتقلبهم.

فإن قيل: لم قال تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) ولم يقل لا يغرنك نعمهم وأموالهم، والذي يحتمل أن يغر الرسول والمؤمنين النعم والأموال، لا التقلب في البلاد؟

قلنا: المراد بتقلبهم تصرفهم في التجارات والنعم والتلذذ بالأموال، والفقير إنما يتألم وينكسر قلبه إذا رأى الغني يتقلب في النعمة ويتمتع بها، فلذلك ذكر التقلب، وقيل معناه: لا يغرنك تقلبهم في المعاصي غير مأخوذين بذنوبهم.

فإن قيل: لم قال تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) مع أن قوله لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ موضع البشارة بالثواب، وسرعة الحساب إنما تذكر في موضع التهديد والعقاب؟

قلنا: معناه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا خوفا من حسابه فإنه سريع الحساب، فهو راجع إلى ما قبل.