يحتمل وجهين: أن يكون بمعنى ساويت ويكون من المقلوب: أي لو يسوّون بالأرض بجعلهم ترابا كقوله تعالى لَتَنُوأُ [القصص/ ٧٦] قوله وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [المائدة/ ٦] في قول من لم يجعل الباء زائدة كقولهم:
أدخلت الخاتم في إصبعي ونحوه، وأن يكون بمعنى الآلة. معناه: ودّوا لو تمهّد بهم الأرض وتوطد، بأن يجعلوا ترابا ويبثّوا في وهادها وحضيضها لتساوى بقاعها وآكامها، وقوله تعالى:
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) [طه] لا انخفاضا ولا ارتفاعا، وإن كان يدل على أن الأرض يوم القيامة متساوية بالسطوح، فجعلها متساوية بالسطوح إن كان قبل البعث، فإذا بعث الموتى من قبورهم، خلت منهم قبورهم وحفرهم، فحصل في الأرض تفاوت.
وإن كان بعد البعث، فيجوز أن يكون هذا التمني سابقا على جعلها متساوية السطوح.
فإن قيل: قولنا: «هذا خير من ذلك» يقتضي أن يكون في كل واحد منهما خير، حتى يصحّ تفضيل أحدهما على الآخر، لأن كلمة «خير» في الأصل أفعل تفضيل، فكيف قال لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ [الآية ٤٦] بعد ما سبق من قولهم في أول الآية؟
قلنا: المراد بالخير هاهنا الخير الذي هو ضد الشر، لا الذي هو أفعل التفضيل كما تقول: في فلان خير.
فإن قيل لم قال تعالى: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧) والمفعول مخلوق، وأمر الله وقوله غير مخلوق؟
قلنا: ليس المراد بهذا الأمر ما هو ضد النهي، بل المراد به ما يحدث من الحوادث، فإن الحادثة تسمى أيضا أمرا، ومنه قوله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) [الطلاق] وقوله أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً [يونس/ ٢٤] .
فإن قيل لم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [الآية ٤٨] ، مع أن شرك الساهي والمكره والتائب مغفور؟
قلنا: المراد به شرك غير هؤلاء المخصوص من عموم الآية بأدلة من خارج أو نقول قيد المشيئة متعلق بالفعلين المنفي والمثبت، كأنه قال:
إن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء ويغفر ما دونه لمن يشاء.
فإن قيل: هذه الآية تدل على أن غير الشرك من الذنوب لا يقطع بانتفاء مغفرته بل ترجى مغفرته، وقوله