تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً يدل على القطع بانتفاء المغفرة في الكفر والظلم وهما غير الشرك، فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: المراد بالظلم هنا الشرك، قال مقاتل: والشرك يسمى ظلما، قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)[لقمان] فكأنه قال: إن الذين أشركوا. الثاني أن قوله تعالى، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [الآية ١١٦] ، ليس قطعا بالمغفرة لغير المشرك وهو تعليق للمغفرة له بالمشيئة ثم بين، بالآية الأخرى، أن الكافر ليس داخلا فيمن يشاء المغفرة له، فيتعين دخوله فيمن لا يغفر له، لأنه لا واسطة بينهما. الثالث أنه عام خص بالآية الثانية كما خص قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزّمر/ ٥٣] بالآية الأولى، ويؤيد هذا إجماع الأمة على أن الكافر والمشرك سواء في عدم المغفرة والتخليد في النار، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها [البيّنة/ ٦] .
فإن قيل لم قال تعالى، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ [الآية ٤٩] ذمّهم على ذلك، وقال أيضا: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)[النجم] ، وقد زكى النبي (ص) نفسه فقال: «والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض» . ويوسف عليه السلام قال: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)[يوسف] ؟
قلنا: إنما قال ذلك حين قال المنافقون: اعدل في القسمة، تكذيبا لهم حيث وصفوه بخلاف ما كان عليه من العدل والأمانة. وأما يوسف عليه السلام، فإنه إنما قال ذلك ليتوصل به إلى ما هو وظيفة الأنبياء، وهو إقامة العدل وبسط الحق وإمضاء أحكام الله تعالى، ولأنه علم أنه لا أحد في ذلك الوقت أقوم منه بذلك العمل، فكان متعينا عليه، فلذلك طلبه وأثنى على نفسه، ومع ذلك كله فإنه روى عن النبي (ص) أنه قال «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخّر ذلك سنة» .
فإن قيل لم قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ