للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ

[الآية ١٥] إلى أن قال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [الآية ٥٢] فحصر لعنته فيهم لأن هذا الكلام للحصر، وليست لعنة الله منحصرة فيهم بل هي شاملة لجميع الكفار.

قلنا: قوله سبحانه أُولئِكَ إشارة إلى القائلين: لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) ، وهذا القول شامل لجميع الكفار، فكانت اللعنة شاملة للجميع.

فإن قيل لم قال تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ [الآية ٥٦] ، أخبر أنه يعذب جلودهم التي لم تعص مكان الجلود العاصية، وتعذيب البريء ظلم؟

قلنا: الجلود المجددة، وإن عذبت فالألم بتعذيبها إنما يحصل للقلوب، وهي غير مجددة بل هي العاصية باعتقاد الشرك ونحوه. الثاني أن المراد بتبديلها إعادة النضيج غير نضيج، والجلود هي الجلود بعينها، وإنما قال غيرها باعتبار صفة النضيج وعدمه، كما قال الله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [ابراهيم/ ٤٨] وأراد تبديل الصفات لا تبديل الذات، وكما قال الشاعر:

وما الناس بالناس الذين عهدتهم ... وما الدار بالدار التي كنت أعهد

فإن قيل لم قال تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧) وليس في الجنة شمس ليكون فيها حر يحتاج بسببه إلى ظل ظليل أو غير ظليل؟

قلنا: هو مجاز عن المستقر المستلذ المستطاب جريا على المتعارف بين الناس، لأن بلاد الحجاز شديدة الحر، فأطيب ما عندهم موضع الظل، فخاطبهم بما يعقلون ويفهمون، كما قال عز وجل وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) [مريم] وليس في الجنة طلوع شمس ولا غروبها فيكون فيها بكرة وعشيّ، لكن لما كان في عرفهم تمام نعمة الغذاء وكمال وظيفته: أن يكون حاضرا مهيأ في طرفي النهار عبّر عن حضوره وتهيئته بذلك.

فإن قيل لم قال تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [الآية ٦٩] وهذا مدح لمن يطيع الله والرسول، وعادة العرب في صفات المدح الترقي من الأدنى إلى الأعلى، وهذا عكسه لأنه نزول من الأعلى إلى الأدنى؟

قلنا: هذا ليس من الباب الذي