فضل الله، وما أصابك من سيئة، أي قحط وشدة، فبشؤم فعلك ومعصيتك، لا بشؤم محمد عليه الصلاة والسلام، كما زعم المشركون، ويؤيده قوله تعالى وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)[الشورى] .
فإن قيل: لم قيل إن الشر والمعصية بإرادة الله، والله تعالى يقول وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [الآية ٧٩] .
قلنا: ليس المراد بالحسنة والسيئة الطاعة والمعصية، بل القحط والرخاء والنصر والهزيمة على ما اختلف فيه العلماء، ألا ترى أنه جلّ شأنه قال:
ما أَصابَكَ ولم يقل ما عملت من سيئة.
فإن قيل: قوله تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) السؤال فيه من وجهين: أحدهما أنه يدل، من حيث المفهوم، على أن في القرآن اختلافا قليلا، وإلا لما كان للتقييد بوصف الكثرة فائدة، مع أنه لا اختلاف فيه أصلا. الثاني أنه إنما يدل عدم الاختلاف الكثير في القرآن على أنه من عند الله، أن لو كان كل كتاب من عند غير الله فيه اختلاف كثير، وليس الواقع كذلك، لأن المراد من الاختلاف إما الكذب والتباين في نظمه، وإما التناقض في معانيه، أو التفاوت بين بعضه وبعضه من الجزالة والبلاغة والحكمة وكثرة الفائدة.
قلنا: الجواب عن السؤال الأول أن التقييد بوصف الكثرة للمبالغة في إثبات الملازمة، فكأنه قال: لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فضلا عن القليل. لكنه من عند الله فليس فيه اختلاف كثير ولا قليل فكيف يكون من عند غير الله؟ فهذا هو المقصود من التقييد بوصف الكثرة لا أن القرآن مشتمل على اختلاف قليل. وعن السؤال الثاني أن كل كتاب في فن من العلوم، إذا كان من عند غير الله وجد فيه اختلاف ما بأحد التفاسير المذكورة لا محالة يعرف ذلك بالاستقراء.
والقرآن جامع لفنون من علوم شتى، فلو كان من عند غير الله لوجد فيه بالنسبة إلى كل فن اختلاف ما، فيصير مجموع الاختلاف اختلافا كثيرا.
فإن قيل لم قال تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (٨٣) استثنى القليل على تقدير