انتفاء الفضل والرحمة، مع أنه لولا فضله بالهداية والعصمة ورحمته، لاتبع الكل الشيطان من غير استثناء؟
قلنا: الاستثناء راجع إلى ما تقدم، تقديره أذاعوا به إلا قليلا. وقيل لعلمه الذي يستنبطونه منهم إلا قليلا. وقيل معناه: ولولا فضل الله عليكم بإرسال الرسل لاتبعتم الشيطان في الكفر والضلال إلا قليلا منكم كانوا يهتدون بعقولهم إلى معرفة الله تعالى وتوحيده، كقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، ونحوهما قبل بعث النبي عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل: على الجواب الأخير إذا كان المراد أن من لوازم نفي الفضل والرحمة بالطريق الخاص، وهو بإرسال الرسل، اتباع الشيطان، ونفي الفضل والرحمة بالطريق الخاص معلوم حق في الرسول لأنه لم يرسل إليه رسول ومع هذا لم يتبع الشيطان؟
قلنا: لا نسلم أنه لم يرسل إليه رسول، بل أرسل إليه الملك وأنه رسول. الثاني التقييد في الفضل والرحمة بتعيين الطريق يكون في حق الأمة. أما في حق الرسل ومن آمن بغير رسول، فيكون اللفظ باقيا على ظاهره.
فإن قيل: هذه الآية تقتضي أن فضله ورحمته يمنعان أكثر الناس من اتّباع الشيطان، مع أنّ الواقع خلافه، فإن أكثر الناس كفرة، يؤيده قوله (ص)«الإسلام في الكفر كالشعرة البيضاء في الثور الأسود» .
قلنا: الخطاب في هذه الآية للمؤمنين لا للناس كلهم.
فإن قيل: إذا كان الخطاب خاصا للمؤمنين فما معنى الاستثناء، فإنه، إن كان المراد به اتباعه فيما يدعو إليه ويوسوس من المعاصي، فأكثر المؤمنين متبعون له في ذلك ولو في العمر مرة واحدة في بعض الكبائر.
وإن كان المراد به اتباعه في دعائه إلى الكفر، فإنّ أحدا من المؤمنين لم يتبعه في الكفر.
قلنا: معناه: ولولا فضل الله عليكم، أيها المؤمنون، ورحمته بالهداية بالرسول، لا تبعتم الشيطان في الكفر وعبادة الأصنام وغير ذلك، إلا قليلا منكم كقس بن ساعدة وورقة بن نوفل ونحوهما، فإنهم، لولا الفضل والرحمة بالرسول، لما اتبعوا الشيطان