فإن قيل: كيف يقال إن أهل الكبائر من المؤمنين لا يخلدون في النار والله تعالى يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣) .
قلنا: معناه متعمدا قتله بسبب إيمانه، والذي يفعل ذلك يكون كافرا.
الثاني أن المراد بالخلود طول المكث، لأن الخلود إذا لم يكن بالأبدية يطلق على طول المكث، كما يقال: خلد السلطان فلانا في الحبس إذا أطال حبسه.
فإن قيل لم قال تعالى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً [الآية ٩٥] ثم قال: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ.
قلنا: المراد الأول التفضيل على القاعدين من الغزاة بعذر، فإن لهم فضلا لكونهم مع الغزاة بالهمة والعزيمة والقصد الصالح، ولهذا قال: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [الآية ٩٥] يعني الجنة:
أي من المجاهدين والقاعدين بعذر، والمراد بالثاني التفضيل على القاعدين عن الغزاة بغير عذر، وأولئك لا فضل لهم بل هم مقصرون ومسيئون، فظهر فضل الغزاة عليهم بدرجات لانتفاء الفضل لهم؟
فإن قيل: كيف صح القول كما ورد في النصّ القرآني: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ [الآية ٩٧] جوابا لقول الملائكة في الآية نفسها: فِيمَ كُنْتُمْ، مع أنه ليس مطابقا للسؤال، والجواب المطابق أن يقولوا كنا في كذا أو لم نكن في شيء؟
قلنا: معنى فيم كنتم التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حتى قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا فصار قوله فِيمَ كُنْتُمْ مجازا عن السؤال: لم تركتم الهجرة؟ فقالوا كنا مستضعفين، اعتذارا عما وبخوا به تعللا، فردت عليهم الملائكة ذلك بقولهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [الآية ٩٧] يعني أنكم إن كنتم عاجزين عن الهجرة إلى المدينة لبعدها عليكم فقد كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد القريبة منكم التي تقدرون فيها على إظهار دين الإسلام.
فإن قيل لم قال تعالى: فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الآية ١٠٠] أي وجب،