غير معلومة ولا متفق عليها لأنها تختلف باختلاف الطباع والبقاع؟
قلنا: المراد بالطيبات هنا الذبائح، والعرب تسمي الذبيحة طيبا وتسمي الميتة خبيثا، فصار المراد معلوما لكنه عام مخصوص كغيره من العموميات.
فإن قيل: ما الحكمة من قوله تعالى مُكَلِّبِينَ بعد قوله وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ [الآية ٤] والمكلّب هو المعلم من كلاب الصيد؟
قلنا: قد جاء في تفسير المكلب أيضا أنه المضري للجارح والمغري له فعلى هذا لا يكون تكرارا «١» وعلى القول الأول يقول إنما عمم ثم خصص فقال مكلبين بعد قوله: وَما عَلَّمْتُمْ لأن غالب صيدهم كان بالكلاب، فأخرجه مخرج الغالب الواقع منهم.
فإن قيل: ظاهر قوله تعالى وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ يقتضي إباحة الجوارح المعلمة وهي حرام.
قلنا: فيه إضمار وتقديره: مصيد ما علمتم من الجوارح، يؤيده ما في تمام الكلام من قوله فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [نفسها] .
فإن قيل: المؤمن به هو الله لقوله تعالى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة/ ١٣٦] فالمكفور به يكون هو الله أيضا، ويؤيده قوله تعالى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ [البقرة/ ٢٨] . وإذا ثبت هذا، فكيف قال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ [المائدة/ ٥] مع أنه لا يصح أن يقال آمن بالإيمان فكذلك ضده؟
قلنا: المراد به: ومن يرتدّ عن الإيمان يقال بشأنه: كفر فلان بالإسلام إذا ارتد عنه، فكفر بمعنى ارتد لأن الرّدة نوع من الكفر، والباء بمعنى «عن» كما في قوله تعالى سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١)[المعارج] وقوله تعالى فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩)[الفرقان] . وقيل المراد هنا بالإيمان المؤمن به تسمية للمفعول بالمصدر كما في قوله تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [المائدة/ ٩٦] ، أي مصيده، وقولهم: ضرب الأمير ونسج اليمن.
فإن قيل: لم قال تعالى:
(١) . قوله «فعلى هذا لا يكون تكرارا» لا يخفي أن دفع التكرار لا يترتب على مجرد تفسير المكلبين بما ذكر، بل يجعله حالا من فاعل علمتم المفيد لهذا التفسير كما في البيضاوي، لا من الجوارح المبني عليه هذا الإشكال، فكان الأولى التعبير بذلك.