وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩)[المائدة] ، ولم يقل: وعملوا السيئات، مع أن الغفران يكون لفاعل السيئات لا لفاعل الحسنات؟.
قلنا: كل أحد لا يخلو من سيئة صغيرة أو كبيرة، وإن كان ممن يعمل الصالحات وهي الطاعات، والمعنى:
أن من آمن وعمل الحسنات غفرت له سيئاته قال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود/ ١١٤] .
فإن قيل: لم قال تعالى بعد قوله وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ [المائدة/ ١٢] ، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢)[المائدة] ، مع أن الذي كفر قبل ذلك فقد ضل سواء السبيل؟
قلنا: نعم ولكن الضلال بعد ما ذكر من النعم أقبح، لأن قبح الكفر بقدر عظم النعم المكفورة، فلذلك خصّه بالذكر.
فإن قيل: لم قال تعالى وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [المائدة/ ١٤] ، ولم يقل ومن النصارى؟
قلنا: لأن هؤلاء كانوا كاذبين في دعواهم أنهم نصارى، وذلك أنهم إنما سموا أنفسهم نصارى ادعاء لنصرة الله تعالى، وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله، ثم اختلفوا بعده نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارا للشيطان، فقال ذلك توبيخا لهم.
فإن قيل: لم قال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الآية ١٥] ، أي مما كتمتموه من الكتاب فلا يظهره ولا يبين كتمانكم إياه، فكيف يجوز للنبي (ص) أن يمسك عن إظهار حق كتموه مما في كتبهم؟
قلنا: إنما لم يبين البعض لأنه كان يتبع الأمر ولا يفعل شيئا من الأمور الدينية من تلقاء نفسه، بل اتباعا للوحي، فما أمر ببيانه بيّنه، وما لم يؤمر ببيانه أمسك عنه إلى وقت أمره ببيانه. وعلى هذا الجواب يكون لفظ العفو مجازا عن الترك، فيكون قد أعلمه الله به وأطلعه عليه ولم يأمره ببيانه لهم فترك تبيانه لهم. الثاني أن ما كان في بيانه إظهار حكم شرعي كصفته ونعته والبشارة به وآية الرجم ونحوها بيّنه، وما لم يكن في بيانه حكم شرعي