بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [الآية ١٨] إن أريد به يغفر لمن يشاء منكم أيها اليهود والنصارى، ويعذب من يشاء يلزم جواز المغفرة لهم وأنه غير جائز لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء/ ٤٨] ، وإن أريد به يغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب من يشاء لا يصلح جوابا لقولهم.
قلنا: المراد به يغفر لمن يشاء منهم إذا تاب من الكفر. وقيل: يغفر لمن يشاء ممن خلق وهم المؤمنون، ويعذب من يشاء وهم المشركون.
فإن قيل: لم قيل: يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً [الآية ٢٠] ، ولم يكن قوم موسى عليه السلام ملوكا؟
قلنا: المراد جعل فيكم ملوكا، وهم ملوك بني إسرائيل، وهم اثنا عشر ملكا، لاثني عشر سبطا، لكل سبط ملك. وقيل المراد به أنه رزقهم الصحة والكفاية والزوجة الموافقة والخادم والبيت فسماهم ملوكا لذلك. وقيل المراد به أنه رزقهم المنازل الواسعة التي فيها المياه الجارية.
فإن قيل: من أين علم الرجلان أنهم الغالبون حتى قالا، كما روى القرآن الكريم: فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ [الآية ٢٣] .
قلنا: من جهة وثوقهم بإخبار موسى (ع) بذلك كما ورد في التنزيل:
ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [الآية ٢١] . وقيل علما ذلك بغلبة الظن، وما عهداه مع صنع الله تعالى بموسى (ع) في قهر أعدائه.
فإن قيل: قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) يدل على أن من لم يتوكل على الله لا يكون مؤمنا، وإلا لضاع التعليق وليس كذلك.
قلنا: «إن» هنا بمعنى إذ، فتكون بمعنى التعليل كما في قوله تعالى:
وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) [البقرة] .
فإن قيل: كيف التوفيق بين قوله تعالى: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [الآية ٢١] وبين قوله فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ [الآية ٢٦] .
قلنا: معناه كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها، فلما أبوا الجهاد، قيل: فإنها محرمة عليهم. الثاني أن