كل واحد منهما عام أريد به الخاص، فالكتابة للبعض وهم المطيعون، والتحريم على البعض وهم العاصون.
الثالث أن التحريم موقت بأربعين سنة والكتابة غير موقّتة، فيكون المعنى أن بعد مضي الأربعين يكون لهم. وهذا الجواب تام على قول من نصب الأربعين بمحرمة وجعلها ظرفا. فأما من جعل الأربعين ظرفا لقوله تعالى (يتيهون) مقدما عليه، فإنه جعل التحريم مؤبدا فلا يتأتى على قوله هذا الجواب، لأن التقدير عنده: فإنها محرمة عليهم أبدا يتيهون في الأرض أربعين سنة، وهو موضع قد اختلف فيه المفسرون والقراء من جملة من جوز نصب الأربعين بمحرمة ويتيهون، والزجاج من جملة من منع جواز نصبه بمحرمة، ونقل أن التحريم كان مؤبدا، وأنهم لم يدخلوها بعد الأربعين، ونقل غيره أنه دخلها بعد الأربعين من بقي منهم وذرية من مات منهم، ويعضد الوجه الأول كون الغالب في الاستعمال تقدم الفعل على الظرف الذي هو عدد، لا تأخّره عنه، يقال: سافر زيد أربعين يوما وما أشبه ذلك، وقلّما يقال على العكس.
فإن قيل: لم قال تعالى: إِذْ قَرَّبا قُرْباناً [الآية ٢٧] ، ولم يقل قربانين لأن كل واحد منهما قرب قربانا؟
قلنا: أراد به الجنس فعبر عنه بلفظ الفرد كقوله تعالى وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها [الحاقة/ ١٧] . الثاني: أن العرب تطلق الواحد وتريد الاثنين، وعليه جاء قوله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧)[ق] وقال الشاعر:
فإنّي وقيّار بها لغريب تقديره: فإني بها لغريب وقيار.
كذلك كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ [البقرة/ ٦٢] . وقيل إنما أفرده لأن فعيلا يستوي فيه الواحد والمثنى والمجموع.
فإن قيل: أصلح قوله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) جوابا لقوله لَأَقْتُلَنَّكَ.
قلنا: لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل، قال له ذلك كناية عن حقيقة الجواب وتعريضا، معناه إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا منّي فلم تقتلني؟