إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [الآية ٩٠] وهذه الأعيان كلها مخلوقات لله تعالى فأين عمل الشيطان في وجودها؟
قلنا: فيه إضمار تقديره: إنما تعاطي الخمر والميسر إلى آخره أو مباشرته إلخ.
فإن قيل: مع هذا الإضمار كيف قال تعالى من عمل الشيطان، وتعاطي الخمر والقمار ونحوهما من عمل الإنسان حقيقة؟
قلنا: إنما أضيف إلى الشيطان مجازا لأنه هو السبب في وجود الفعل بواسطته ووسوسته وتزيينه ذلك للفساق، فصار كما لو أغرى رجل رجلا بضرب آخر فضربه، فإنه يجوز أن يقال للمغري هذا من عملك.
فإن قيل: لم جمع الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في الآية الأولى ثم خص الخمر والميسر في الآية الثانية؟
قلنا: لأن العداوة والبغضاء بين الناس تقع كثيرا بسبب الخمر والميسر وكذلك يشتغلون بهما عن الطاعة، بخلاف الأنصاب والأزلام فإن هذه المفاسد لا توجد فيها، وإن كانت فيها مفاسد أخر. وقيل إنما كرر ذكر الخمر والميسر فقط لأن الخطاب للمؤمنين بدليل قوله تعالى في الآية نفسها:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهم إنما يتعاطون الخمر والميسر فقط، وإنما جمع الأربعة في الآية الأولى لإعلام المؤمنين، وأن هذه الأربعة من أعمال الجاهلية، وأنه لا فرق بين من عبد صنما أو أشرك بالله تعالى بدعوى علم الغيب، وبين من شرب الخمر أو قامر مستحلّا لهما.
فإن قيل: كيف يحسن أن يفعل الله تعالى فعلا يتوسل به إلى تحصيل علم حتى قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ [الآية ٩٤] .
قلنا: معناه ليميز الله الخائف من غير الخائف عند الناس. وقيل معناه ليعلم عباد الله من يخافه بالغيب وهو قريب من الأول. وقيل معناه ليعلم الخوف واقعا كما علمه منتظرا.
فإن قيل: لم قال تعالى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [الآية ٩٥] ، ووصف العمدية ليس بشرط لوجوب الجزاء، فإنه لو قتله ناسيا أو مخطئا وجب الجزاء أيضا؟